باب الألف - أمية بن عبد العزيز، بن أبي الصلت

أمية بن عبد العزيز، بن أبي الصلت

من أهل الأندلس، كان أديباً فاضلاً، حكيماً منجماً، مات في سنة تسع وعشري وخمسمائة، في المحرم بالمهدية من بلاد القيروان، وهو صاحب فصاحة بارعة، وعلم بالنحو، والطب. وكان قد ورد إلى مصر في أيام المسمى بالآمر، من ملوك مصر، واتصل بوزيره ومدير دولته، الأفضل شاهنشاه، بن أمير الجيوش بدر، واشتمل عليه رجل من خواص الأفضل، يعرف بمختار، ويلقب بتاج المعالي، وكانت منزلته عند الأفضل عالية، ومكانته بالسعد حالية، فتحسنت حال أمية عنده، وقرب من قلبه، وخدمه بصناعي الطب والنجوم، وأنس تاج المعالي منه بالفضل، الذي لا يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فوصفه بحضرة الأفضل، وأثنى عليه، وذكر ما سمعه من أعيان أهل العلم، وإجماعهم على تقدمه في الفضل وتميزه عن كتاب وقته. وكان كاتب حضرة الأفضل يومئذ، رجل قد حمى هذا الباب، ومنع من أن يمر بمجلسه ذكر أحد م أهل العلم بالأدب، إلا أنه لم يتمكن من معارضة قول تاج المعالي، فأغضى على قذى، وأضمر لأبي الصلت المكروه، وتتابعت من تاج المعالي السقطات، وأفضت إلى تغير الأفضل، والقبض عليه والاعتقال، فوجد حينئذ السبيل إلى أبي الصلت، بما اختلق له من المحال، فحبسه الأفضل في سجن المعونة بمصر، مدة ثلاث سنين وشهر واحد، على ما أخبرني به الثقة عنه، ثم أطلق، فقصد المرتضي أبا طاهر يحيى بن تميم، بن المعز، بن باديس، صاحب القيروان، فحظى عنده، وحسن حاله معه. وقد ذكر ذلك في رسالة لم يذم فيها مصر، ويصف حاله، ويثني على بان باديس، واستشهد فيها بهذه الأبيات في وصف ابن باديس:

فلم أستسغ إلا نـداه ولـم يكـن

 

ليعدل عندي ذا الجناب جـنـاب

فما كل إنعام يخف احتـمـالـه

 

وإن هطلت منه على سـحـاب

ولكن أجل اصنع ماجـل ربـه

 

ولم يأت باب دونه موحـجـاب

وما شئت إلا أن أدل عـواذلـي

 

على أن رأيي في هواك صواب

وأعلم قوماً خالفوني وشـرقـوا

 

وغربت أني قد ظفرت وخابـوا

ومن شعره أيضاً:

لا غرو إن لحقت لهاك مدائحي

 

فتدقت نعماك مـلء إنـائهـا

يكسى القضيب ولم يحن إبانـه

 

وتطوق الورقاء قبل غنائهـا

ومنه يرثي:

قد كنت جارك والأيام ترهبـنـي

 

ولست أرهب غير الله من أحـد

فنافستني الليالي فـيك ظـالـمة

 

وما حسبت الليالي من ذوي الحسد

ولأبي الصلت من التصانيف: كتاب الأدوية المفردة، كتاب تقويم الذهن في المنطق، كتاب الرسالة المصرية، كتاب ديوان شعره كبير، كتاب رسالة عمر في الأسطرلاب، كتاب الديباجة في مفاخر صنهاجة؟ كتاب ديوان رسائل، كتاب الحديثة ف يمختار من أشعار المحدثين، ومن شعر أمية منقولاً من كتاب سر السرور:

حسبي فقد بعدت في الغي أشواطي

 

وطال في اللهو إيغالي وإفراطي

أنفقت في اللهو عمري غير متعظ

 

وجدت فيه بوفري غيرمحـتـاط

فكيف أخلص من بحر الذنوب وقد

 

غرقت فيه على بعد من الشاطئ

يا رب مالي ما أرجو رضاك بـه

 

إلا اعترافي بأني المذنب الخاطي

ومنه أيضاً:

لله يومي ببركة الـحـبـش

 

والصبح بين الضياء والغبش

والنيل تحت الرياح مضطرب

 

كطائر في يمي مرتـعـش

ونحن فـي روضة مـفـوة

 

دبج بالنور عطفها ووشـي

 

قد نسجتها يد الربـيع لـنـا

 

فنحن من نسجها على فرش

وأثقل الناس كلهـم رجـل

 

دعاه داعي الهوى فلم يطش

فعاطني الراح إن تاركهـا

 

من سورة الهم غير منتعش

وأسقني بالكبـار مـتـرعة

 

فهن أشفى لشدة العطـش

قال محمد بن محمود: حدثني طلحة أن أبا الصلت، اجتمع في بعض متنزهات مصر، مع وجوه أفاضلها، فمال لصبي صبيح الوجه، عديم الشبه، قد نقط نون صدغه على صفحة خده، فاستو صفوه إياه، فقال:

منفرد بالحـس والـظـرف

 

بحت لديه بالـذي أخـفـى

لهفي شكوت وهومن تيهـه

 

في غفلة عني وعن لهفـي

قد عوقبت أجفانه بالضـنـى

 

لأنها أضنت وما تـشـفـى

قد أزهر الورد علـى خـده

 

لكنه ممتنـع الـقـطـف

كأنما الخـال بـه نـقـطة

 

قد قطرت من كحل الطرف

قال: وحدثني أبو عبد الله الشامي، وكان قد درس عليه، واقتبس ما لديه، أن الإفضل كان قد تغير عليه وحبسه بالإسكندرية في دار الكتب الحكيم أرسططاليس، قال: وكنت أختلف إليه إذ ذاك، فدخلت إليه يوماً، فصادفته مطرقاً، فلم يرفع رأسه إلى على العادة، فسألته فل يرد الجواب، ثم قال بعد ساعة: اكتب، وأنشدني:

قد كان لي سبب قد كنت أحسب أن

 

أحضى به فإذا دائي من السبـب

فما مقلم أظفاري سوى قـلـمـي

 

ولا كتائب أعدائي سوى كتـبـي

فكتبت وسألته ع ذلك، فقال: إن فلاناً تلميذي، قد طعن في عند الأمير الأفضل، ثم رفع رأسه إلى السماء، واغرورقت عيناه دمعاً، ودعا عليه، فلم يحل الحول حتى استجيب له.
وأنشدني الشيخ سليمان بن الفياض الإسكندراني - وكان ممن درس عليه، واختلف إليه - في صفة فرس:

صفراء إلا حجول مـؤخـرهـا

 

فهـي مـدام ورسـغـهـا زيد

تعطيك مجهودها فـراهـتـهـا

 

في الحضر والحضر عندها وخد

وأنشدني له يهجو، وما هو من صناعته:

صاف ومـولاتـه وســيده

 

حدود شكل القياس مجمـوعة

فالشيخ فو الاثنين مـرتـفـع

 

والست تحت الاثنين موضوعة

والشيخ محمول ذي وحامل ذا

 

بحشمة في الجميع مصنوعة

شكل قياس كانت نتـيجـتـه

 

غريبة في دمشق مطبـوعة

وقرأت في الرسالة المصرية، زيادة على البيتين المتقدم ذكرهما قبل:

وكم تمنيت أن ألقـى بـهـا أحـداً

 

يسلى من الهم أو يعدى على النوب

فما وجدت سوى قوم إذا صـدقـوا

 

كانت مواعيدهم كالآل في الكـذب