باب الجيم - جعفر بن محمد، بن حمدان الموصلي

جعفر بن محمد، بن حمدان الموصلي

أبو القاسم لافقيه الشافعي، ذكره محمد بن إسحاق فقال: هو حسن التأليف، عجيب التصنيف، شاعر أديب فاضل، ناقد للشعر، كثير لارواية، مات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ومولده سنة أربعين ومائتين. له عدة كتب في الفقه على مذهب الشافعي. فأما كتبه في الأدب فهي: كتاب الباهر في أشعار المحدثين، عارض به الروضة للمبرد، كتاب الشعر والشعراء لم يتم، ولو تم لكان غاية في معناه، كتاب السرقات لم يتم أيضاً، وهو كتاب جيد في معناه، كتاب محاس أشعار المحدثين لطيف.

قال أبو عبد الله الخالع: كان أبو القاسم، جعفر بن محمد، بن حمدان الموصلي، ممن عمر طويلاً، وكانت بينه وبين البحتري مراسلة، ورثاه بعد وفاته. ومدح القاسم ابن عبيد الله، وأدرك أبا العباس النامي، وتكاتبا بالشعر.

وقال أبو علي بن أبي الزمزام: كان ابن حمدان كبير المحل من أهل الرياسات بالموصل، ولم يكن بها في وقته من ينظر إليه، ويفضل في العلوم سواه، متقدماً في الفقه، معروفاً به، قوياً في النحو فيما يكتبه، عارفاً بالكلام والجدل مبرزاً فيه، حافظاً لكتب اللغة، راوية للأخبار، بصيراً بالنجوم، عالماً مطلعاً على علوم الأوائل، عالي الطبقة فيها، وكان صديقاً لكل وزراء عصره، مداحاً لهم، آنساً بالمبرد وثعلب وأمثالهما، من علماء الوقت، مفضلاً عندهم، وكانت له ببلده دار علم قد جعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم، وقفاً على كل طالب للعلم، لا يمنع أحد من دخولها إذا جاءها غريب يطلب الأدب، وإن كان معسراً أعطاه ورقاً وورقاً. تفتح في كل يوم، ويجلس فيها إذا عاد من ركوبه، ويجتمع إليه الناس فيملي عليهم من شعره وشعر غيره ومصنفاته، مثل الباهر وغيره من مصنفاته الحسان، ثم يملي من حفظه من الحكايات المستطابة، وشيئاً من النوادر المؤلفة، وطرفاً من الفقه وما يتعلق به. وكان جماعة من أهل الموصل حسدوه على محله وجاهه عند الخلفاء والوزراء والعلماء، وكان قد جحد بعض أولاده وزعم أ،ه ليس منه، فعاندوه بسببه، وزعموا أنه نفاه ظلماً، واجتهدوا أن يلحقوه به، فما تم لهم، فاجتمعوا وكتبوا فيه محضراً، وشهدوا عليه فيه بكل قبيح عظيم، ونفوه عن الموصل، فانحدر هارباً منهم إلى مدينة السلام، ومدح المعتضد بقصيدة يشكو فيها ما اله منهم، ويصف ما يحسنه من العلوم، ويستشهد بثعلب والمبرد وغيرهما. أولها:

أجدك ما ينـفـك طـيفـك سـارياً

 

مع الليل مجتابـاً إلـيا الـفـيافـيا

يذكرنا عهد الحـمـى وزمـانـنـا

 

بنعمان والأيام تعـطـي الأمـانـيا

ليالي مغنى آل ليلى على الحـمـى

 

ونعمان غـاد بـالأوانـس غـانـيا

وعهد الصبي منهن فينـان مـورق

 

ظليل الضحى من حائط اللهو دانـيا

قريب المدى نائي الجوى داني الهوى

 

على ما يشاء المستـهـام مـؤاتـيا

حلفت بأخياف المخيم مـن مـنـى

 

ومن حل جمعاً والرعان المتـالـيا

وبالركب يأتمون بـطـحـاء مـكة

 

على أركب تحكى القسى حـوافـيا

طواهن طي البيد في غلس الدجـى

 

ونشر الفيافي والفيافي كمـا هـيا

ولو أني أبثثت ما بي من الـجـوى

 

شماريخ رضوى أو شمام رثى لـيا

وإن أطو ما تطوي الجوانح من هوى

 

عن الناس تخبرهم بحالـي حـالـيا

أأدخل تحت الضيم والبيد والـسـرى

 

وأيدي المطايا الناعجات عـتـاديا؟

سأخرج من جلبـاب كـل مـلـمة

 

خروج المعلى والـمـنـيح ورائيا

إذا أنا قابـلـت الإمـام مـنـاجـياً

 

له بالذي من ريب دهري عنـانـيا

رميت بآمالي إلى الـمـلـك الـذي

 

أذلت ماسعيه الأسـود الـضـواريا

ومــا هـــي إلا روحة وادلاجة

 

تنيل الأماني أو تقـيم الـبـواكـيا

ولي في أمير المـؤمـنـين مـدائح

 

ملأت بها الآفاق حـسـن ثـنـائيا

وأمت بي الآمال لا طالـبـاً جـدىً

 

ولا شاكياً إنفاض حالـي ومـالـيا

ولكنني أشكو عـدواً مـسـلـطـاً

 

على عداني بغيه عـن مـجـالـيا

أيا ابن الولاة الوارثـين مـحـمـدا

 

خلافته دون المـوالـي مـوالـيا

إذا ما اعتزمت الأمر أبرمت فتلـه

 

ولم تك عن إمضائك العـزم وانـيا

فلا تك للمظلوم ناداك في الـدجـى

 

لغربته والدفع للـظـلـم نـاسـيا

وهي مائة وخمسون بيتاً، فيها بعد المدح: ما يحسنه من العلوم الدينية والأدبية، ويتبجح بمعرفته إقليدس وأشكاله، وزيادات زادها في أعماله، وله في صفة الليل:

رب ليل كالبحر هولاً وكالده

 

ر امتداداً وكالمداد سـوادا

خضته والنجوم توقدن حتى

 

أطفأ الفجر ذلـك الإيقـاد

قال ابن عبد الرحيم: ونقلت من خط جعفر بن محمد الموصلي، من قصيدة في أبي سليمان داود ب حمدان:

أعيجي بنا قبل انبتات حـبـالـك

 

جمالك إن الشوق شوق جمالـك

قفي وقفة تتلو علـيك أوامـهـا

 

جوانح لا تروى بغـير نـوالـك

فقد طلعت شمس الضحى بأوارها

 

على مستظلات بفيئ ظـلالـك

ومنها:

بأبناء حمدان الـذين كـأنـهـم

 

مصابيح لاحت في ليال حوالك

لهم نعم لا أستقل بشـكـرهـا

 

وإن كنت قد سيرته في المسالك

وخلفت فيه من قريض بدائعـاً

 

ترى خلفاً من كل باق وهالـك

وله من قصيدة في القاسم بن عبيد الله:

ما شأن دارك يا ليلـى نـنـاجـيهـا

 

فما تجيب ولا ترعـى لـداعـيهـا

 

إنا عشية عجنا بـالـمـطـي بـهـا

 

كنا نـحـييك فـيهـا لا نـحـييهـا

 

لا ترسلي الطيف إن الطرف في شغل

 

عن الكرى بدموع بـات يجـريهـا

 

لأضربـن بـآمـالـي إلـى مـلـك

 

يقل في قدره الدنـيا بـمـا فـيهـا

 

يا بن الوزارة والمأمول بعـد لـهـا

 

في سائر الأرض دانيها وقاصـيهـا

 

ما بال ما اجتاب عرض الأرض من مدحي

 

إليك يسري مع الـركـبـان سـاريهـا

لم يأتـنـي نـبـأ عـنـهـا ولا خـبـر

 

واليوم كالحـول لـي مـمـا أراعـيهـا

           

وله أيضاً:

وما الموت قبل الموت غير أنـنـي

 

أرى ضرعاً بالعسر يوماً لذي اليسر

فدع قولهم ليس الثراء من الـعـلا

 

فما الفخر إلا أن يقال هو المثـري

إذا أنت لم تبل الصديق فلا تـكـن

 

له آمناً فيمـا يجـن مـن الأمـر

فإن سترت حال امرئ لؤم أصـلـه

 

أبي اللؤم إلا أن يبين مع السـتـر

وله أيضاً:

على الخيف من أكناف برقة أطلال

 

دوارس عفتها بـبـرقة أحـوال

ومبني خيام من فريق تـفـرقـوا

 

أيادي سبا والبين للشمل مغـتـال

وهن نجوم لـلـنـجـوم ضـرائر

 

وهن لأكدار الحـنـادس إقـبـال

ألا إن تجوال الظبـاء سـوانـحـاً

 

لمن عالج الوجد المبـرح آجـال

إلى ابن أبي العباس جاذبنا المنـى

 

ومن دونه بيد يخـب بـهـا الآل

ومازالت الأيام تضحك عـنـهـم

 

وتشرق عنهم بالمكـارم أفـعـال

أولئك أرباب العلى وبنـو الـنـدى

 

وقوال فصل يوم مجـد وفـعـال

هم ورثوه الجود والبذل والـنـدى

 

فزاد على مـا ورثـوه ولـم يال

وله يرثي البحتري:

تعولت البدائع والـقـصـيد

 

وأودي الشعر مذ أودي الوليد

وأظلم جانب الدنـيا وعـادت

 

وجوه المكرمات وهن سود

فقل للدهر يجهد في الـرزايا

 

فليس وراء فجعتـه مـزيد

وله من قصيدة:

تمكن حب علوة من فـؤادي

 

وملك أمر غيي والـرشـاد

فوالي بين دمعي والمـآقـي

 

وعادى بين جفي والـرقـاد

وقد طلب السلامة في سليمى

 

زماناً والسعادة في سـعـاد

فلا هاتيك أحمدهـا وصـالاً

 

ولا هذي ارتضاها في الوداد

وله أيضاً:

أيها القرم الذي أع

 

وزنا فيه الـنـديد

وأعانته على المج

 

د مساع وجـدود

عجل النجح فإن ال

 

مطل بالوعد وعيد

قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب: هذا معنى عن لي من قبل أن أقف على هذه الأبيات، وكنت أعجب كيف فات الأوائل لاشتماله على مطابقة التجنيس وحسن المعنى مدة، حتى وقفت على ما ههنا، فعلمت أن أكثر ما ينسب إلى الشعراء من السرقات، إنما هو توارد الخواطر، ووقوع حافر على حافر. وأما أبياتي فهي:

يا سيداً بذ من يمشي علـى قـدم

 

علماً وحلمـاً وآبـاء وأجـدادا

ماذا دعاك إلى وعـد تـصـيره

 

بالخلف والمطل والتسويف إيعادا

لا تعجلن بوعد ثـم تـخـلـفـه

 

فيثمر المطل بعد الود أحـقـادا

فالوعد بزر ولطف القول منبتـه

 

وليس يجدي إذا لم يلق حصـادا