باب الحاء - الحسن بن رشيق القيرواني

الحسن بن رشيق القيرواني

مولى الأزد، كان شاعراً أديباً، نحوياً لغوياً حاذقاً عروضياً، كثير التصنيف، حسن التأليف، وكان بينه وبين ابن شرف الأديب مناقضات ومحاقدات، وصنف في الرد عليه عدة تصانيف. كان أبوه رشيق رومياً، ذكر ذلك هو في الرد على ابن شرف، بعد ذكره نسب ابن شرف: هو اسم امرأة نائحة ثم قال: وأما أنا - فنضر الله وجه هذا الشيخ في، وأتم به النعمة علي -، فما أبغي به أبا، ولا أرضى بمذهبه مذهباً، رضيت به رومياً، لا دعياً، ولا بدعياً.

تأدب ابن رشيق على أبي عبد الله بن جعفر القزاز، القيرواني النحوي اللغوي، وغيره من أهل القيروان. ومات بالقيروان سنة ست وخمسين وأربعمائة: عن ست وستين سنة، ذكر ابن رشيق هذا نفسه في كتابه الذي صنفه في شعراء عصره، ووسمه بالنموذج فقال في آخره: صاحب الكتاب هو حسن بن رشيق، مولى من موالي الأزد، ولد بالمحمدية سنة تسعين وثلاثمائة، وتأدب بها يسيراً. وقدم إلى الحضرة سنة ست وأربعمائة، وامتدح سيدنا - خلد الله دولته -.

قال المؤلف يعني المعز بن باديس بن المنصور سنة عشر بقصيدة أولها:

ذمت لعينك أعين الـغـزلان

 

قمر أقر لحسنه القـمـران

ومشت ولا والله ما حقف النقا

 

مما أرتك ولا قضيب البـان

وثن الملاحة غير أن ديانتـي

 

تأبى علي عبـادة الأوثـان

منها:

يا بن الأعزة من أكابر حمـير

 

وسلالة الأملاك من قحطـان

من كل أبلج واضح بلسـانـه

 

يضع السيوف مواضع التيجان

قال: ومن مدحه القصيدة التي دخل بها في جملته، ونسب إلى خدمته، فلزم الديوان وأخذ الصلة والحملان:

لدن الرماح لما يسقي أسنـتـهـا

 

من مهجة القيل أو من ثغرة البطل

لو أثمرت من دم الأعداء سمرقنـاً

 

لأورقت عنده سمر القنا الـذبـل

إذا توجه فـي أولـى كـتـائبـه

 

لم تفرق العين بي السهل والجبـل

فالجيش ينفض حولـيه أسـنـتـه

 

نفض العقاب جناحيه من البـلـل

يأتي الأمور على رفق وفـي دعة

 

عجلان كالفلك الدوار في مهثـل

قال: ومن رثائه:

أما لئن صح ما جاء البـريد بـه

 

ليكثرن من الباكـي أشـياعـي

مازلت أفزع من يأس ومن طمع

 

حتى ترفع يأسي فوق أطماعي

فاليوم أنفق كنز العمر أجمعه

 

لما مضى واحد الدنيا بإجماع

قال: ومن هجائه:

قالوا رأينا فراتاً لي سـوجـعـه

 

ما يوجع الناس من هجو إذا قذفا

وله من كتاب سر السرور:

معتقة يعلو الحباب متونـهـا

 

فتحسبه فيها نثير جـمـان

رأت من لجين راحة لمديرها

 

فطافت له من عسجد ببنـان

ومن غير كتابه له:

ومن حسنات الدهر عندي ليلة

 

من العمر لم تترك لأيامها ذنبا

خلونا بها ننفي القذا عن عيوننا

 

بلؤلؤة مملوءة ذهباً سكـبـا

وملنا لتقبيل الثغور ولثمـهـا

 

كميل جناح الطير يلتقط الحبا

قال الأبيوردي: هذا أحس من قول ابن المعتز:

كم مـن عـنـاق لـنــا ومـــن قـــبـــل

 

مخـتـلـسـات حــذار مـــرتـــقـــب

نقر العصافير وهي خائفةمن النواطير يانع الرطب

 

 

وله أيضاً:

قد حنكت مني الـتـجـا

 

رب كل شيء غير جودي

أبداً أقـول لـئن كـسـب

 

ت لأقبضن بـيدي شـديد

حتـى إذا أثـريت عــد

 

ت إلى السماحة من جديد

إن المقام بـمـثـل حـا

 

لي لا يتم مع الـقـعـود

لا بـد لـي مـن رحـلة

 

تدي من الأمل الـبـعـيد

وله أيضاً:

في الناس من لا يرتجى نفعه

 

إلا إذا مـس بـإضــرار

كالعود لا يطمع في طيبـه

 

إن أنت لم تمسسه بالـنـار

ومما أورده ابن رشيق لنفسه في النموذج:

أقول كالمأسور فـي لـيلة

 

ألقت على الآفاق كلكالهـا

يا ليلة الهجر التي ليتـهـا

 

قطع سيف الهجر أوصالها

ما أحسنت جمل ولا أجملت

 

هذا وليس الحسن إلا لهـا

وأنشد لنفسه أيضاً:

أحب أخي وإ أعرضت عنه

 

وقل على مسامعه كلامـي

ولي في وجهه تقطيب راض

 

كما قطبت في وجه المـدام

ورب تجهم من غير بغـض

 

وضغن كامن تحت ابتسـام

وله أيضاً:

من جفاني فإنني غير جـاف

 

صلة أو قطيعة في عفـاف

ربما هاجر الفتى من يصافي

 

ه ولاقى بالبشر من لا يصافي

وأنشد لنفسه في كتاب فسح اللمح:

المرء في فسحة كما علموا

 

حتى يرى شعره وتألـيفـه

فواحد منهما صفحـت لـه

 

عنه وجازت له زخاريفـه

وآخر نحن منه فـي غـرر

 

إن لم يوافق رضاك تثقيفه

وقد بعثنا كيسي ملؤهـمـا

 

نقد امرئ حاذق وتزييفـه

فانظر وما زلت أهل معرفة

 

يا من لنا علمه ومعروفـه

ثم قال في ورقة أخرى تمام الأبيات العينية، وما وجدتها أعني الأبيات التي هذه تمامها:

ولو غيرك الموسوم عندي بـريبة

 

لأعطيت فيه مدعي القوم ما ادعى

فلا تتخالجك الظـنـون فـإنـهـا

 

مآثم واترك للصنائع مـوضـعـا

فوالله ما طولت بالـلـوم فـيكـم

 

لساناً ولا عرضت للذم مسمـعـا

ولا ملت عنكم بالوداد ولا انطـوت

 

حبالي ولا ولى ثنـائي مـودعـا

بلى ربما أكرمت نفسي فلم تهـن

 

وأجللتها عن أن تذل وتخضـعـا

فباينت لا أن الـعـداوة بـاينـت

 

وقاطعت لا أن الوفاء تقـطـعـا

وختم كتاب العمدة بهذه الأبيات:

إن الذي صاغت يدي وفمي

 

وجرى لساني فيه أو قلمي

مما عنيت بسبك خالصـه

 

واخترته من جوهر الكلم

لم اهده إلا لـتـكـسـوه

 

ذكراً يجدده على الـقـدم

لسنا نزيدك فضل معـرفة

 

لكنهن مصـايد الـكـرم

فاقبل هدية من أشدت بـه

 

ونسخت عنه آية الـعـدم

لا تحسن الدنيا أبا حـسـن

 

تأتي بمثلك فائق الهـمـم