باب الحاء - الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد

الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي

أبو محمد القاضي. ذكره محمد بن إسحاق النديم وقال: هو حسن التصنيف مليح التأليف، سلك طريقة الجاحظ وكان شاعراً، وقد سمع الحديث ورواه.

مات في حدود سنة ستين وثلاثمائةٍ. قال: وله من الكتب: كتاب ربيع المتيم في أخبار العشاق. كتاب الفلك في مختار الأخبار والأشعار. كتاب أمثال النبي صلى الله عليه وسلم. كتاب الريحانتين الحسن والحسين. كتاب إمام التنزيل في علم القرآن. كتاب النوادر والشوارد. كتاب أدب الناطق. كتاب المرائي والتعازي. كتاب رسالة السفر. كتاب مباسطة الوزراء. كتاب المناهل والأعطان والحنين إلى الأوطان. كتاب الفاصل بين الراوي والواعي.

وكان القاضي الخلادي من أقران القاضي التنوخي، وقد مدح عضد الدولة أبا شجاعٍ بمدائح، وبينه وبين الوزير المهلبي وأبي الفضل بن العميد مكاتبات ومجاوبات، منها ما نقلته من مزيد التاريخ لأبي الحسن محمد بن سليمان بن محمدٍ، الذي زاده على تاريخ السلامي في ولاة خراسان.
قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم قال: لما استوزر أبو محمد المهلبي كتب إليه أبو محمد الخلادي في التهنئة: " بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله مانح الجزيل، ومعود الجميل، ذي المن العظيم، والبلاء الجسيم:

الآن حين تعاطى القوس بـاريهـا

 

وأبصر السمت في ظلماء ساريها

الآن عاد إلى الدنيا مـهـلـبـهـا

 

سيف الخلافة بل مصباح داجيهـا

أضحى الوزراة تزهى في مواكبها

 

زهو الرياض إذا جاءت غواديها

تاهت علينا بميمـون نـقـيبـتـه

 

قلت لمقداره الدنيا ومـا فـيهـا

موفق الرأي مقـرون بـغـرتـه

 

نجم السعادة يرعاها ويحـمـيهـا

معز دولتها هنـئتـهـا فـلـقـد

 

أيدتها بوثـيق مـن رواسـيهـا

تهنئة مثلى من أولياء الوزير - أطال الله بقاءه - الدعاء أفضله ما صدر عن نيةٍ لا يرتاب بها ولا يخشى مذقها، وكان غيب صاحبه أفضل من مشهده، فهنأ الله الوزير كرامته، وأحلى له ثمرة ما منحه، وأحمد بدأه وعاقبته، ومفتتحه وخاتمته، حتى تتصل المواهب عنده اتصالاً في مستقبله ومستأنفه يوفى على متقدمه بمنه.

وكتابي هذا - أيد الله الوزير - من المنزل برامهرمز، وأنا عقيب علةٍ ومنحةٍ، ولولا ذلك لم أتأخر عن حضرته - أجلها الله - مهنئاً ومسلماً، فإن رأى الوزير شرفني بجواب هذا الكتاب. فكتب إليه المهلبي جوابه: بسم الله الرحمن الرحيم، وصل كتابك يا أخي - أطال الله بقاءك، وأدام عزك وتأييدك ونعماك - المتضمن نفيس الجواهر من بحار الخواطر، الحاوي ثمار الصفاء من منبت الوفاء وفهمته، ووقع ما أهديته من نظمٍ ونثرٍ وخطابٍ وشعرٍ، موقع الري من ذي الغلة، والشفاء من ذي العلة، والفوز من ذي الخيبة، والأدب من ذي الغيبة، وما ضاءت حال إلا وأنت الأولى بسرورها، والأغبط بحبورها، إذ كنت شريك النفس في السراء وماسيها في الضراء، وتكلفت الإجابة عما نظمت على كثرة من الشغل ألا عنك، وزهدٍ في المطاولة إلا فيك. والعذر في تقصيرها عن الغاية واضح، ودليل العجلة فيها لائح، وأنت بمواصلتي بكتبك وأخبارك وأوطارك مسؤول، والجرى على عادتك المأثورة وسيرتك المشكورة مأمول، وأنا والله على أفضل عهدك، وأحسن ظنك، وأوكد ثقتك، ومشتاق إليك:

مواهب الله عنـدي لا يوازيهـا

 

سعي ومجهود وسعى لا يدانيها

لكن أقصى المدى شكري لأنعمه

 

وتلك أفضل قربى عند مؤتيهـا

والله أسأل توفيقاً لطـاعـتـه

 

حتى يوافق فعلى أمره فيهـا

وقد أتتنـي أبـيات مـهـذبة

 

ظريفة جزلة وقت حواشيهـا

ضمنتها حسن أوصافٍ وتهنـئةٍ

 

أنت المهنى بباديها وتالـيهـا

ودعوة صدرت عن نيةٍ خلصت

 

لا شك فيها أجاب الله داعيهـا

وأنت أوثق موثـوقٍ بـنـيتـه

 

وأقرب الناس من حالٍ نرجيها

فثق بنيل المنى في كل منـزلةٍ

 

أصبحت تعمرها عندي وتبنيها

وكتب أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد إلى القاضي أبي محمد الخلادي: بسم الله الرحمن الرحيم: أيها القاضي الفاضل - أطال الله بقاك، وأدام عزك ونعماك -. من أسر داءه وستر ظماءه، بعد عليه أن يبل من غلته، وقد غمرني منذ قرأت كتابك إلى الشريف - أيده الله - شوق استجذب نفسي واستفزها، ومد جوانحي وهزها، ولا شفاء إلا قربك ومجالستك، ولا دواء إلا طلعتك ومؤانستك، ولا وصول إلى ذلك إلا بزيارتك أو استزارتك، فإن رأيت أن تؤثر أخفهما عليك، وتعلمني آثرهما لديك، وتقوم ما ألبسته في ذلك فعلت، فإني أراعيه أشد المراعاة، وأتطلعه في كل الأوقات، وأعد على الفوز به الساعات. فأجابه الخلادي: "بسم الله الرحمن الرحيم": قرأت التوقيع - أطال الله الأستاذ الرئيس - فشحذ الفطنة وآنس الوحدة، وألبس العزة وأفاد البهجة، وقلت كما قال رؤبة، لما استزاره أبو مسلمٍ صاحب الدعوة:

لبيك إذا دعوتني لبيكا

 

أحمد ربي سابقاً إليكا

فأما الإجابة عن أفصح بيانٍ خط بأكرم بنانٍ، وأوضح للزهر المؤنق لمالك رقاب المنطق، فما أنا منها بقريب وهيهات وأنى لي التناوش من مكانٍ بعيدٍ لكني على الأثر، ولا أتأخر عن الوقت المنتظر، إن شاء الله تعالى.

قال: وكان أبو محمدٍ الخلادي ملازماً لمنزله، قليل البروز لحاجته. وقيل له في ذلك: فروى عن أبي الدرداء: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيه سمعه وبصره. وروى عن ابن سيرين أنه قال: العزلة عبادة. وقال: خلاؤك أقنى لحياتك. وقال: عز الرجل في استغنائه عن الناس، والوحدة خير من جليس لبسوء. وأنشد لابن قيس الرقيات:

اهرب بنفسك واستأنس بوحدتها

 

تلق السعود إذا ما كنت منفردا

ليت السباعلنا كانت معاشـرةً

 

وإننا لا نرى ممن نرى أحـدا

إن السباع لتهدا في مرابضهـا

 

والناس ليس بهادٍ شرهم أبـدا

ثم صار الخلادي إلى أبي الفضل بن العميد، فلما فتشه شاهد منه علماً غزيراً، وقبس أدباً كثيراً. وقال الخلادي: إن أعجب الأستاذ معرفتي صحبته، وتعلقت به وأقمت عنده وبين يديه. وكتب الخلادي إلى منزله برامهرمز: " بسم الله الرحمن الرحيم ": قد وردت من الأستاذ الرئيس على ضياء باهرٍ، وربيع زاهرٍ، ومجلس قد استغرق جميع المحاسن، وحف بالأشراف والأكارم، وجلساء أقرانٍ أعداد عامٍ، كأنهم نجوم السماء، ومن طالبيٍ أرج المعاطف، وصلب المكاسر، جامعٍ إلى شرف الحسب ديناً وظرفاً، وإلى كرم المحتد رحمةً وفضلاً، وكاتبٍ حصيفٍ، وشاعرٍ مفلقٍ، وسميرٍ آنق وفقيهٍ جدلٍ، وشجاعٍ بطلٍ:

كرام المساعي لا يخاف جليسهم

 

إذا نطق العوراء غرب لسـان

إذا حدثوا لم تخش سوء استماعهم

 

وإن حدثوا أدوا بحسـن بـيان

ووضعنا الزيارة حيث لا يزرى بنا كرم المزور ولا يعاب الزور. يجد الأستاذ عندي كل يومٍ مكرمةً وميرةً تطويان مسافة الرجاء، وتتجاوزان غايات الشكر والثناء، والبشر والدعاء، فزاد الله في تبصيره حقوق زواره، وتيسيري لشكري مباره.
قال الثعالبي: ومن ملح ما قيل في ابن خلادٍ قوله:

قل لابن خلادٍ إذا جـئتـه

 

مستنداً في المسجد الجامع

ها زمان ليس يحظى بـه

 

حدثنا الأعمش عن نافـع

ومن ملحه قوله وقد طولب بالخراج:

يا أيها المكثر فينا الزمجـرة

 

ناموسه دفتره والمحـبـره

قد أبطل الديوان كتب الشجره

 

والجامعين كتاب الجمهـره

هيهات لن يعبر تلم القنطـره

 

نحو الكسائي وشعر عنتـره

ودغفل وابن لسان الحمـره

 

ليس سوى المنقوشة المدوره

ذكر السمعاني في كتاب النسب، قال القاضي أبو محمدٍ الحسن بن عبد الرحمن بن خلادٍ الرامهرمزي: كان فاضلاً مكثراً من الحديث، ولي القضاء ببلاد الخوز ورحل قبل التسعي ومائتين، وكتب عن جماعةٍ من أهل شيراز، ذكره أو عبد الله محمدبن عبد العزيز الشيرازي القصار في تاريخ فارس وقال: بلغني أنه عاش برامهرمز إلى قرب الستين وثلاثمائةٍ.