باب الحاء - الحسن بن علي بن مقلة

الحسن بن علي بن مقلة

بن الحسن بن عبد الله بن مقلة أبو عبد الله، ومقلة اسم أمٍ لهم كان أبوها يرقصها. فيقول يا مقلة أبيها فغلب عليها، وأبو عبد الله هو أخو الوزير أبي عليٍ محمد بن عليٍ، وهو المعروف بجودة الخط الذي يضرب به المثل. كان الوزير أوحد الدنيا في كتبه فلم الرقاع والتوقيعات، لا ينازعه في ذلك منازع، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضلٍ بارعٍ، وكان أبو عبد الله هذا أكتب من أخيه في قلم الدفاتر والنسخ، مسلماً له فضلته غير مفاضلٍ في كتبته. ومولد أبي عبد الله في سلخ رمضان سنة ثمان وسبعين ومائتين، ومات في شهر ربيعٍ الآخر سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائةٍ. ومات أبوه أبو العباس علي بن الحسن في ذي الحجة سنة تسعٍ وثلاثمائةٍ. وله يوم مات سبع وستون سنةً وأشهر. وصلى عليه ابنه أبو عليٍ.

ولأخيه أبي علي ترجمة في بابه مفردة، لما اشترطنا في ذكر أرباب الخطوط المنسوبة وكان أبوهما الملقب بمقلة أيضاً كاتباً مليح الخط. وقد كتب في زمانهما وبعدهما، جماعة من أهلهما وولدخما ولم يقاربوهما وإنما يندر الواحد منهم الحرف بعد الحرف، والكلمة بعد الكلمة، وإنما كان الكمال لأبي عليٍ وأبي عبد الله أخيه. فممن كتب من أولادهما: أبو محمدٍ عبد الله، وأبو الحسن ابنا أبي عليٍ، وأبو أحمد سليمان بن أبي الحسن، وأبو الحسين علي بن أبو عليٍ، وأبو الفرج العباس بن علي بن مقلة. ومات أبو الحسن علي بالفالج والسكتة، في سنة ستٍ وأربعين وثلاثمائةٍ، ومولده سنة خمسٍ وثلاثمائةٍ.

حدث ابن نصرٍ قال: وجدت بخط أبي عبد الله بن مقلة على ظهر جزءٍ، وغنتني ابنة الحفار:

إلى سامع الأصوات من أبعد المسرى

 

شكوت الذي ألقاه من ألم الـذكـرى

فيا ليت شعـري والأمـانـي ضـلة

 

أيشعر بي من بت أرعى له الشعرى؟

قال ابن نصرٍ: فقلت كفى ابنة الحفار هذا الصوت أن يذكرها ويكتبها أبو عبد الله بن مقلة بخطه. وحدث أبو نصرٍ قال: حدثني أبو القاسم بن الرقي منج سيف الدولة قال: كنت في صحبة سيف الدولة في غداة المصيبة المعروفة، وكان سيف الدولة قد انكسر يومئذٍ كسرةً قبيحةً، ونجا بحشاشته بعد أن قتلت عساكره قال: فسمعت سيف الدولة يقول وقد عاد إلى حلب: هلك مني من عرض ما كان في صحبتي خمسة آلاف ورقةٍ بخط أبي علي بن مقلة. قال: فاستعظمت ذلك وسألت بعض شيوخ خدمه الخاصة عن ذلك. فقال لي: كان أبو عبد الله منقطعاً إلى بني حمدان سنين كثيرةً يقومون بأمره أحسن القيام، وكان ينزل في دارٍ قوراء حسنةٍ، وفيها فرش تشاكلها ومجلس دست، وله شيء للنسخ وحوض فيه محابر وأقلام، فيقوم ويتمشى في الدار إذا ضاق صدره، ثم يعود فيجلس في بعض تلك المجالس وينسخ ما يخف عليه، ثم ينهض ويطوف على جوانب البستان، ثم يجلس في مجلسٍ آخر وينسخ أوراقاً أخر على هذا، فاجتمع في خزائنهم من خطه ما لا يحصى.

وجدت بعض أهل الفضل عن بعضهم قال: حضرت مجلس أبي عليٍ محمد بن علي بن مقلة في أيام وزارته وقد عرضت عليه رقاع، وتوقيعات وتسبيبات قد رد عليها بخطه أخوه أبو عبد الله، ثم رفعت إلى أبي عليٍ فكان ينظر فيها ويمضيها وقد عرف صورتها. وكان أبو عبد الله حاضراً، فلما فرغ منها التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله قد خففت عنا حتى أثقلت، وخشينا أن نثقل عليك، فأرح نفسك من هذا التعب. فضحك أبو عبد الله وقال: السمع والطاعة.

وقال ثابت بن سنانٍ: لما ولي أبو علي بن مقلة الوزارة للمقتدر في سنة ست عشرة وثلاثمائة، قلد أخاه أبا عبد الله الحسن بن عليٍ ديوان الضياع الخاصة، وديوان الضياع المستحدثة، وديوان الدار الصغيرة. وصودر أبو عبد الله في أيام القاهر على خمسين ألف دينارٍ بعد أن حلف أنه لا يملك إلا بساتين وما ورثه من زوجته، وقيمة الجميع نحو مائة ألف درهمٍ.