باب الحاء - الحسن بن المظفر النيسابوري

الحسن بن المظفر النيسابوري

أبو عليٍ، أديب نبيل، شاعر مصنف، ذكره أبو أحمد بن أرسلان في تاريخ خوارزم فقال: مات أبو عليٍ الحسن بن المظفر الأديب الضرير النيسابوري ثم الخوارزمي في الرابع من شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائةٍ، وأثنى عليه ثناءً طويلاً زعم فيه أنه كان مؤدب أهل خوارزم في عصره، ومخرجهم وشاعرهم ومقدمهم والمشارإليه منهم، وهو شيخ أبي القاسم الزمخشري قبل أبي مضر، وله نظم ونثر. وذكر أن له ولداً اسمه عمر وكنيته أبو حفصٍ، أديب فقيه فاضل، وله شعر منه:

سبحان من ليس في السماء ولا

 

في الأرض ند له وأشـبـاه

أحاط بالعالمـين مـقـتـدراً

 

أشـهـد أن لا إلـه إلا هـو

وخاتم المرسـلـين سـيدنـا

 

أحمد رب السمـاء سـمـاه

أشرقت الأرض بعد بعثـتـه

 

وحصحص الحق من محـياه

ومات أبو حفصٍ هذا في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائةٍ ووجدت للحسن بن المظفر من التصانيف: كتاب تهذيب ديوان الأدب، وكتاب تهذيب إصلاح المنطق، وكتاب ذيله على تتمة اليتيمة لم أقف على اسمه، كتاب ديوان شعره مجلدتان، كتاب ديوان رسائله، كتاب محاسن من اسمه الحسن، كتاب زيادات أخبار خوارزم. نقلت من الكتاب الذي وصل به تتمة اليتيمة، وذكر فيه أشياء من شعره ورسائله ختم بها كتابه، وهو أنه قال: الحسن بن المظفر النيسابوري مؤلف الكتاب: نيسابوري المحتد، خوارزمي المولد، وممن كان عارفاً بنفسه، غير مفتونٍ بنظمه ونثره، فإنه سلك طريق أبي منصور الثعالبي - رحمه الله - فيما أورده من شعره في آخر كتاب تتمة اليتيمة، فأورد نبذاً مما يستحسن من كلامه، ويستبدع مننظامه، فمن نثره الساذج رقعة له: عرف الله الشيخ الرئيس بركة شهر رمضان، ووفقه من طاعته لما يكتسب به من العفو، ولولا العذر الواقع من الوصول لقصدت مجلسه - أعلاه الله - بالتهنئة والتسليم وقضاء حقه العظيم، هذا - أدام الله تمكينه - وعهدي به يعدني من جملة عياله، ويخصني كل وقتٍ بأفضاله، فليت شعري لم عدل إلى الفطام من ذلك الإنعام؟ فإن كان نسيان فقد جاءه ذكرى، وإن كان هجران فحاشاه من هجري. وله من أخرى: الشيخ يسترق الأحرار بعوائد فضله وبواديه، حتى لا حر بواديه. ومن نظمه:

أهلاً بعيشٍ كـان جـد مـوات

 

أحيا من اللـذات كـل مـوات

أيام سرب الأنس غير منـفـرٍ

 

والشمل غير مروعٍ بشـتـات

عيش تحسر ظله عنـا فـمـا

 

أبقى لنا شيئاً سوى الحسـرات

ولقد سقاني الدهر ماء حـياتـه

 

والآن يسقينـي دم الـحـيات

لهفي لأحرارٍ منيت ببعـدهـم

 

كانوا على غير الزمان ثقاتـي

قد زالت البركات غنى كلـهـا

 

بزيال سيدنا أبي الـبـركـات

ركن العلا والمجد والكرم الذي

 

قد فات في الحلبات أي فـوات

فارقت طلعته المنيرة مكرهـاً

 

فبقيت كالمحصور في الظلمات

أضحي وأمسي صاعداً زفراتي

 

لفراقه متحـدراً عـبـراتـي

وأنشد فيه لنفسه:

جبينك الشمس في الأضواء والقمر

 

يمينك البحر في الإرواء والمطر

وظلك الحرم المحفوظ ساكـنـه

 

وبابك الركن للقصاد والحـجـر

وسيبك الرزق مضمون لكل فـمٍ

 

وسيفك الأجل الجاري به القـدر

أنت الهمام بل البدر التمام بل الس

 

يف الحسام بل الصارم الـذكـر

وأنت غيث الأنام المستغـاث بـه

 

إذا أغارت على أبنائها الـغـير

وأنشد انفسه:

أريا شمالٍ أم نسيم من الصبـا

 

أتانا طروقاً أم خيال لزينبـا؟

أم الطالع المسعود طالع أرضنا

 

فأطلع فيها للسعادة كوكـبـاً؟

قال أبو عليٍ الضرير: رأيت ابن هودار في المنام بعد موته فقلت له: لقد تحولت من دارٍ إلى دارٍ، فهل رأيت قراراً يا بن هودار؟ قال: فأجابني:

لا بل وجدت عذاباً لا انقطاع له

 

مدى الليل ورباً غير غـفـار

ومنزلاً مظلماً في قعر هـاويةٍ

 

قرنت فيها بكفـارٍ وفـجـار

فقل لأهلي موتوا مسلمين فمـا

 

للكافرين لدي الباري سوى النار