باب الحاء - الحسين بن علي بن أحمد

الحسين بن علي بن أحمد

ابن عبد الواحد بن بكر بن شبيبٍ النصيبي النديم، نديم المستنجد بالله، ولد سنة خمسمائةٍ، وتوفي سنة ثمانين وخمسمائةٍ، كان أديباً كاتباً شاعراً له اليد الطولى في حل الألغاز العويصة، تفاوض أبو منصورٍ محمد بن سليمان بن قتلمش وأبو غالب بن الحصين في سرعة خاطر ابن شبيبٍ وتقدمه في حل الألغاز، فعمل ابن قتلمش أبياتاً على صورة الألغاز، ولم يلغز فيها بشيءٍ وأسلاها إلى ابن شبيبٍ يمتحنانه بها وهي:

وما شيءٍ له في الرأس رجل

 

وموضع وجهه منه قفـاه؟

إذا أغمضت عينك أبصرتـه

 

وإن فتحت عينـك لا تـراه

ونظم أيضاً:

وجـارٍ وهـو تـيار

 

ضعيف العقل خوار

بلا لـحـمٍ ولا ريشٍ

 

وهو في الرمز طيار

بطـبـعٍ بـاردٍ جـداً

 

ولكـن كـلـه نـار

فكتب ابن شبيبٍ على الأول: هو طيف الخيال، وكتب على الثاني: هو الزئبق. فجاء أبو غالبٍ وأبو منصورٍ إليه وقالا: هب اللغز الأول طيف الخيال، والبيت الثاني يساعدك على ما قلت، فكيف تعمل بالبيت الأول؟ فقال: لأن المنام يفسر بالعكس، لأن من بكى يفسر بكاؤه بالضحك والسرور، ومن مات يفسر موته بطول العمر.

وأما اللغز الثاني: فغن أصحاب صناعة الكيمياء يرمزون للزئبق بالطيار والفرار والآبق وما أشبه ذلك، لأنه يناسب صفته، وأما برده فظاهر، ولإفراط برده ثقل جسمه وجرمه، وكله نار لسرعة حركته وتشكله في افتراقه والتئامه، وعلى كل حالٍ ففي ذلك تسامح يجوز في مثل هذه الصور الباطلة إذا طبقت على الحقيقة.
ودخل ابن شبيبٍ يوماً على الخليفة المستنجد بالله فقال الخليفة: أإبن شبيبٍ؟ فقال: عبدك يا أمير المؤمنين، فأعجبه هذا التصحيف منه. ومن شعر ابن شبيبٍ في المستنجد:

أنت الإمام الذي يحكي بسيرتـه

 

من ناب بعد رسول الله أو خلفا

أصبحت لب بني العباس كلهـم

 

إن عددت بحروف الجمل الخلفا

فإن جمل حروف لب اثنان وثلاثون، والمستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء. ومن شعره أيضاً:

ومحترسٍ من نفسه خـوف زلةٍ

 

تكون عليه حجةً هي مـا هـيا

يصون عن الفحشاء نفساً كـريمةً

 

أبت شرفاً إلا العلا والمعـالـيا

صبور على ريب الزمان وصرفه

 

كتوم لأسرار الـفـؤاد مـداريا

له همة تعلو علـى كـل هـمةٍ

 

كما قد علا البدر النجوم الدراريا

وقال:

أغصان وردٍ زينت درر الندى

 

أجيادها بمخانـقٍ وعـقـود

فتوهجت كمسارجٍ وتأرجـت

 

كنوافجٍ وتدبجـت كـبـرود

وتبلجت ككواكبٍ وتبـرجـت

 

ككواعبٍ وتضرجت كخدود

وقال:

تبوح بسرك ضـيقـاً بـه

 

وتبغي لسرك من يكـتـم

وكتمانك السر ممن تخاف

 

ومن لاتخاف هو الأحزم

وإن ذاع سرك من صاحبٍ

 

فأنت وإن لمـتـه ألـوم