باب الحاء - الحسين بن مطير بن مكمل

الحسين بن مطير بن مكملٍ

الأسدي مولى بني أسد بن خزيمة، وكان جده مكمل عبداً فعتق وقيل كوتب. وابن مطيرٍ من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، فصيح متقدم في الرجز والقصيد يعد من فحول المحدثين، يشبه كلامه كلام الأعراب وأهل البادية، وفد على الأمير معن بن زائدة الشيباني لما ولي اليمن، فلما دخل عليه أنشده:

أتيتك إذ لم يبق غيرك جـابـر

 

ولا واهب يعطي اللها والرغائبا

فقال له: يا أخا بني ليس أسدٍ هذا بمدحٍ، إنما المدح قول نهار بن توسعة في مسمع بن مالكٍ:

قلدته عرى الأمـور نـزار

 

قبل أن يهلك السراة البحور

فغدا إليه بأرجوزةٍ يمدحه بها فاستحسنها وأجزل صلته. وحدث جعفر بن منصورٍ قال: حدثني أبي قال: حج المهدي فنزل زبالة فدخل الحسين بن مطيرٍ الأسدي عليه فقال:

أضحت يمينك مـن جـودٍ مـصـورةً

 

لا بل يمينك منهـا صـورة الـجـود

من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقةً

 

ومن بنانك يجري الماء فـي الـعـود

فقال المهدي كذبت، قال ولم يا امير المؤمنين؟ قال: هل تركت في شعرك موضعاً لأحدٍ بعد قولك في معنٍ بن زائدة:

ألما على مـعـنٍ وقـولا لـقـبـره

 

سقتك الغوادي مربعاً ثـم مـربـعـا

فيا قبر مـعـنٍ أنـت أول حـفـرةٍ

 

من الأرض خطت للمكارم وضجعـا

ويا قبر معـنٍ كـيف واريت جـوده

 

وقد كان من البر والبحر متـرعـا؟

بلى قد وسعت الجود والجـود مـيت

 

ولو كان حياً ضقت حتى تـصـدعـا

ولما مضى معن مضى الجود وانقضى

 

وأصبح عرنين المـكـارم أجـدعـا

وما كان إلا الجود صـورة وجـهـه

 

فعاش ربـيعـاً ثـم ولـى وودعـا

وكنت لدار الجود يا معـن عـامـراً

 

وقد أصبحت قفراً من الجود بلقـعـا

فتى عيش في معروفه بعـد مـوتـه

 

كما كان بعد السيل مجراه مرتـعـا

تمنى أناس شـأوه مـن ضـلالـهـم

 

فأضحوا على الأّذقان صرعى وظلما

تعز أبا العـبـاس عـنـه ولا يكـن

 

جزاؤك من معنٍ بأن تتضعـضـعـا

أبى ذكر معـنٍ أن يمـيت فـعـالـه

 

وإن كان قد لاقى حماماً ومصرعهـا

فما مات من كنت ابنـه لا ولا الـذي

 

له مثل ما أبقى أبوك ومـا سـعـى

فقال: يا أمير المؤمنين إنما معن حسنة من حسناتك، وفعلة من فعلاتك، فأمر لع بألف دينارٍ ثم قال: سل حاجتك فقال:

بيضاء تسحب من قيامٍ فرعها

 

وتغيب فيه وهو جعد أسحم

فكأنها منه نهـار مـشـرق

 

وكأنه ليل عليها مـظـلـم

قال: خذ بيدها لجاريةٍ كانت على رأسه فأولدها مطير بن الحسين بن مطيرٍ.
وقال الرياشي: حدثني أبو العالية عن أبي عمران المخزومي قال: أتيت مع أبي والياً كان بالمدينة من قريشٍ، وعنده ابن مطيرٍ، وإذا بمطرٍ جودٍ، فقال له الوالي: صف لي هذا المطر، قال: دعني أشرف عليه، فأشرف عليه ثم نزل فقال:

كثرت لكثرة قطره أطباؤه

 

فإذا تحلب فاضت الأطباء

وله رباب هيدب لدفيفـه

 

قبل التبعق ديمة وطفـاء

وكأن ريقه ولمـا يحـتـفـل

 

ودق السماء عجاجة كـدراء

وكأن بارقه حريق تلـتـقـي

 

ريح علـيه عـرفـج وألاء

مستضحك بلوامعٍ مستبصـر

 

بمدامعٍ لم تمرهـا الأقـذاء

فله بلا حزنٍ ولا بـمـسـرةٍ

 

ضحك يؤلف بيتـه وبـكـاء

حيران متبع صبـاه تـقـوده

 

وجنوبه كنـف لـه ووعـاء

غدق ينتج في الأباطح فرقـاً

 

تلد السيول وما لهـا أسـلاء

غر محجلة دوالج ضمـنـت

 

حمل اللقاح وكلهـا عـذراء

سحم فهن إذا كظمن سواجـم

 

سود وهن إذا ضحكن وضاء

لو كان من لجج السواحل ماؤه

 

لم يبق في لجج السواحل ماء

وقال ابن دريدٍ: أنشدنا أبو حاتمٍ السجستاني، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه للحسين بن مطيرٍ الأسدي، وقال عبد الرحمن قال عمي: لو كان شعر العرب هكذا ما أثم منشده:

ألا حبذا البيت الذي أنـت هـاجـره

 

وأنت بتلماحٍ من الطرف نـاظـره

لإنك من بيتٍ لعـينـي مـعـجـبٍ

 

وأملح في عيني من البيت عامـره

أصد حـياء أن يلـم بـي الـهـوى

 

وفيك المنـى لـولا عـدو أحـذره

وفيك حبيب النفس لو تستـطـيعـه

 

لمات الهوى والشوق حين تجـاوره

فإن آتـه لـم أنـج إلا بـظـــنةٍ

 

وإن يأته غيري تنط بـي جـزائره

وكان حبيب النفس للقـلـب واتـراً

 

وكيف يحب القلب من هـو واتـره

فإن يكن الأعداء أحـمـوا كـلامـه

 

علينا فلن يحمى علينا مـنـاظـره

أحبك يا سلمـى عـلـى غـير ريبةٍ

 

ولا بأس في حبٍ تعـف سـرائره

ويا عاذلي لولا نـفـاسة حـبـهـا

 

عليك لمـا بـالـيت أنـك خـائره

بنفسي مـن لا بـد أنـي هـاجـره

 

وما أنا في الميسور والعسر ذاكـره

ومن قد لحاه الناس حتى اتـقـاهـم

 

ببغضي إلا ما تـجـن ضـمـائره

أحبك حبـاً لـن أعـنـف بـعـده

 

محباً ولـكـنـي إذا لـيم عـاذره

لقد مات فبلي أول الحب فانقـضـى

 

ولو مت أضحى الحب قد مات آخره

كلامك يا سلمى وإن قل نـافـعـي

 

فلا تحسبي أني وإن قـل حـاقـره

ألا ل أبالي أي حـيٍ تـحـمـلـوا

 

إذا أثمد البرقاء لم يخل حـاضـره

وحدث المرزباني عن الأخفش قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي لحسين بن مطيرٍ الأسدي:

لقد كنت جلداً قبل أن توقد النـوى

 

على كبدي ناراً بطيئاً خمودهـا

ولو ترتكت نار الهوى لتصرمت

 

ولكن شوقاً كـل يومٍ وقـودهـا

وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي

 

إذا قدمت أيامها وعـهـودهـا

فقد جعلت في حبة القلب والحشا

 

عهاد تولاها بشـوقٍ يعـيدهـا

بمرتجة الأرداف هيف خصورها

 

عذاب ثناياها عجاف قـيودهـا

وصفر تراقيها وحمر أكـفـهـا

 

وسود نواصيها وبيض خدودهـا

مخصرة الأوساط زانت عقودهـا

 

بأحسن مما زينتها عـقـودهـا

يمنينا حتـى تـرف قـلـوبـنـا

 

رفيف الخزامى بات طل يجودها

وفيهن مقلاق الوشاح كـأنـهـا

 

مهاة بتزبانٍ طويل عـقـودهـا

وكنت أذود العين أن ترد البـكـا

 

فقد وردت ما كنت عنه أذودهـا

هل الله عافٍ عن ذنوبٍ تسلفـت

 

أم الله إن لم يعف عنها معيدها؟

وقال:

رأت رجلاً أودى بوافر لـحـمـه

 

طلاب المعالي واكتساب المكارم

خفيف الحشا ضرباً كـأن ثـيابـه

 

على قاطعٍ من جوهر الهند صارم

فقلت لها لا تعجـبـن فـإنـنـي

 

أرى سمن الفتيان إحدى المشـائم

وأنشد له ابن قتيبة:

يضعفني حلمي وكثرة جهلهم

 

علي وأني لا أصول بجاهل

دفعتكم عني وما دفـع راحةٍ

 

بشيءٍ إذا لم تستعن بالأنامل

وأنشد له المبرد:  

ولي كبد مقروحة من يبيعني

 

بها كبداً ليست بذات قروح؟

أباها على الناس لا يشترونها

 

ومن يشتري ذا علةٍ بصحيح؟