باب الحاء - حفص الأموي مولاهم

حفص الأموي مولاهم

شاعر من شعراء الدولة الأموية، عاش حتى ادرك دولة بني العباس، ولحق بعبد الله بن عليٍ فاستأمنه، فهو من مخضرمي الدولتين، وكان يختلف إلى كثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة الشاعر يروي عنه شعره، وكان حجاءً لبني هاشمٍ، فطلبه عبد الله بن عليٍ فلم يقدر عليه، ثم جاءه حفص مستأمناً فقال: أنا عائد بالأمير، فقال له: ومن أنت؟ قال: حفص الأموي، فقال: أنت الهجاء لبني هاشمٍ؟ فقال: أنا الذي أقول - أعز الله الأمير-:

وكانت أمية في ملكـهـا

 

تجور وتكثر عدوانـهـا

فلما رأى الله أن قد طغت

 

ولم يحمل الناس طغيانها

زماها بسفاح آل الرسول

 

فجذ بكفـيه أعـيانـهـا

ولو آمنت قبل وقع العذاب

 

لقد يقبل الله إيمـانـهـا

فلما أتم الإنشاد، قال له عبد الله بن عليٍ: اجلس، فجلس فتغدى بين يديه، ثم دعا عبد الله خادماً له فساره بشيء ففزع حفص وقال: أيها الأمير، قد تحرمت بك وبطعامك وفي أقل من هذا كانت العرب تهب الدماء. فقال له عبد الله: ليس شيء مما ظننت، فجاء الخادم بخمسمائة دينارٍ فقال: خذها ولا تقطعنا، وأصلح ما شعثت منا. وروى ابن السائب الكلبي أن هشام بن عبد الملك قال يوماً لقوامه على خيله: كم أكثر ما ضمت حلبة من الخيل في الجاهلية والإسلام؟ قالوا: ألف فرسٍ وقيل ألفان، فأمر أن يؤذن بالناس بحلبةٍ تضم أربعة آلاف فرسٍ، فقيل له: يا أمير المؤمنين يحطم بعضها بعضاً فلا يتسع لها طريق، فقال: نطلقها ونتوكل على الله، والله الصانع. فجعل الغاية خمسين ومائتي غلوةٍ، والقصب مائةً، والمقوس ستة أسهمٍ، وقاد إليه الناس من كل أوبٍ، ثم برز هشام إلى دهناء الرصافة قبيل الحلبة بأيامٍ، فأصلح طريقاً واسعاً لا يضيق بها، فأرسلت يوم الحلبة بين يديه وهو ينظر إليها تدور حتى ترجع، وجعل الناس يتراؤونها حتى أقبل الزابد كأنه ريح لا يتعلق به شيء حتى دخل سابقاً وأخذ القصبة، ثم جاءت الخيل بعد ذلك أفذاذاً وأفواجاً، ووثب الرجاز يرتجزون، منهم المادح للزابد، ومنهم المادح لفرسه، ومنهم المادح لخيل قومه، فوثب حفص الأموي مولاهم وقام مرتجزاً يقول:

إن الجواد السابـق الإمـام

 

خليفة الله الرضي الهمـام

أنجبه السوابـق الـكـرام

 

من منجباتٍ ما لهـن ذام

كرائم يجلى بها الـظـلام

 

أم هشامٍ جدها القمـقـام

وعائش يسمو بها الأقـوام

 

خلائف من نجلها أعـلام

إن هشاماً جـده هـشـام

 

مقابل مدابـر هـضـام

جرى به الأخوان والأعمام

 

فحل كفحل كلهـم قـدام

سنوا له السبق وما استقاموا

 

حتى استقام حيث استقاموا

وأحرز المجد الذي أقاموا

 

أطلق وهو يفع غـلام

في حلبةٍ تم لها التـمـام

 

من آل فهرٍ وهم السنام

فبذها سبقاً ومـا ألامـوا

 

كذلك الزابد يوم قامـوا

أتى ببدء الخيل مـا يرام

 

مجلياً كـأنـه حـسـام

سباق غايات لها ضـرام

 

لا يقبل العفو ولا يضام

ويل الجياد منهماذا راموا

 

سهم تفر دونه السهـام

فأعطاه هشام يومئذٍ ثلاثة آلاف درهمٍ، خلع عليه ثلاث حللٍ من جيد وشي اليمن، وحمله على فرسٍ من خيله السوابق، وانصرف معه ينشده الرجز حتى قعد في مجلسه، وأمره بملازمته. فكان أثيراً عنده، وقال حفص أيضاً:

لا خير في الشيخ إذا ما اجلخا

 

وسال غرب دمعه فـلـخـا

وكان أكـلاً كـلـه وشـخـاً

 

تحت رواق البيت يخشى الدخا