باب الحاء - الحكم بن عبدل بن جبلة

الحكم بن عبدل بن جبلة

ابن عمرو بن ثعلب بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة، وينتهي نسبه إلى خزيمة بن مدركة، الأسدي الفاخري الكوفي، شاعر مجيد هجاء من شعراء الدولة اللأموية، كان ممن نفاه ابن الزبير من العراق كما نفى منها عمال بني أمية، فقدم دمشق ونال من عبد الملك بن مروان حظوةً فكان يدخل عليه ويسمر عنده، فقال ليلةً لعبد الملك:

يا ليت شعري وليت ربما نفعـت

 

هل أبصرن بني العوام قد شملوا

بالذل والأسر والتشـريد إنـهـم

 

على البرية حتف حيثما نزلـوا

أم هل أراك بأكناف العراق وقد

 

ذلت لعزك أقوام وقد نكـلـوا؟

فقال عبد الملك:

إن يمكن الله من قيسٍ ومن جدسٍ

 

ومن جذامٍ ويقتل صاحب الحرم

نضرب جماجم أقوامٍ على حنـقٍ

 

ضرباً ينكل عنا غابـر الأمـم

ودخل يوماً على عبد الملك فقعد بين السماطينوقال: - أصلح الله الأمير -، رؤيا رأيتها بالمنام أقصها عليك؟ فقال: هات، فأنشا يقول:

طلعت الشمس بعد غضارةٍ

 

في نومةٍ ما كنت قبل أنامها

فرأيت أنك جدت لي بولـيدةٍ

 

مغنوجةٍ حسنٍ علي قيامهـا

وببدرةٍ حملت إلي وبـغـلةٍ

 

شهباء ناجيةٍ يصل لجامهـا

فسألت ربي أن يثيبك جـنةً

 

يلقاك فيها روحها وسلامها

فقال: كل ما رأيت عندنا إلا البغلة فإنها دهماء فارهة فقال: امرأته طالق إن كان رآها إلا دهماء، ولكنه نسي فأمر عبد الملك أن يحمل إليه كل ما ذكر في شعره. ودخل ابن عبدلٍ على محمدٍ بن حسان بن سعدٍ وكان على خراج الكوفة، فكلمه في رجلٍ من العرب أن يضع عنه ثلاثين درهماً من خراجه، فقال محمد بن حسانٍ: أماتني الله إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئاً، فانصرف ابن عبدلٍ وهو يقول:

دع الثلاثين لا تعرض لصاحبعا

 

لا بارك الله في تلك الثلاثينـا

لما علا صوته في الدار مبتكراً

 

كإشتفانٍ يرى قوماً يدوسونـا

أحسن فإنك قد أعطيت مملـكةً

 

إمارةً صرت فيها اليوم مفتونا

لا يعطك الله خيراً مثلها أبـداً

 

أقسمت بالله إلا قلت آمـينـا

ولما لم يضع من خراج الرجل شيئاً، قال ابن عبدلٍ فيه:

رأيت محمداً شرهاً ظلـومـاً

 

وكنت أراه ذا ورعٍ وقـصـد

يقول أماتني ربـي خـداعـاً

 

أمات الله حسان بـن سـعـد

ركبت إليه في رجلٍ أتـانـي

 

كريمٍ يبتغي المعروف عنـدي

فقلت له وبعض القول نصـح

 

ومنه مـا أسـر لـه وأبـدي

توق كرائم الـبـكـري إنـي

 

أخاف عليك عاقبة التـعـدي

فما صادفت في قحطان مثلـي

 

ولا صادفت مثلك في مـعـد

أقـل بـراعةً وأشـد بـخـلاً

 

وألأم عند مـسـألةٍ وحـمـد

فقدت محمـداً ودخـان فـيه

 

كريح الجعر فوق عطين جلد

فأقسم غير مسـتـنٍ يمـينـاً

 

أبا بخرٍ لـتـتـخـمـن ردى

فلو كنت المهذب مـن تـمـيمٍ

 

لخفت ملامتي ورجوت حمدي

نكهت علي نـكـهة أخـدريٍ

 

شتيمٍ أعـصـل الأنـياب ورد

فما يدنـو إلـى فـمـه ذئاب

 

ولو طليت مشافـره بـتـنـد

فإن أهديت لي من فيك حتفـاً

 

فإني كالذي أهديت مـهـدي

ولولا ما وليت لكنت فـسـلاً

 

لئيم الكسب شأنك شأن عـبـد

وخطب محمد بن حسانٍ هذا بنتاً لطلبة بن قيس بن عاصمٍ المنقري فقال ابن عبدلٍ:

لعمري ما زوجتـهـا لـكـفـاءةٍ

 

ولكنما زوجـتـهـا لـلـدراهـم

وما كان حسان بن سعدٍ ولا ابـنـه

 

أبو البخر من أكفاء قيس بن عاصم

ولكنه رد الزمان عـلـى اسـتـه

 

وضيع أمر المحصنات الـكـرائم

له ريقة بخراء تصـرع مـن دنـا

 

وتنتن خيشوم الضجيع الـمـلازم

خذي ديةً منه تـكـونـي غـنـيةً

 

وروحي إلى باب الأمير فخاصمي

وكان بالكوفة امرأة موسرة لها على الناس ديون كثيرة بالسواد، فأتت الحكم بن عبدلٍ وعرضت له بأنها تتزوجه إذا اقتضى لها ديونها، فقام ابن عبدلٍ بدينها حتى اقتضاه ثم طالبها بالوفاء فكتبت إليه:

سيخيطك الذي حاولت منـي

 

فقطع حبل وصلك من حبالي

كما أخطاك معروف ابن بشرٍ

 

وكنت تعد ذلـك رأس مـال

وكان ابن عبدلٍ يأتي ابن بشرٍ بن مروان بالكوفة فيسأله فيقول له: أخمسمائةٍ أحب إليك العام أم ألف في قابلٍ؟ فيقول ألف في قابلٍ، فإذا أتاه من قابلٍ قال له: ألف إليك العام أم ألفان في قابلٍ؟ فيقول ألفان، فلم يزل كذلك حتى مات ابن بشرٍ ولم يعطه شيئاً. فدخل ابن عبدلٍ على عبد الملك بن مروان بعد ما جرى من المرأة، فقال له عبد الملك: ما أحدثت بعدي، قال: خطبت امرأةً من قومي فردت علي ببيتي شعرٍ، قال: وما هما؟ قال: قالت:

سيخيطك الذي حاولت مني

البيتان، فضحك عبد الملك وقال له: - لحاك الله - أذكرت بنفسك، وأمر له بألفي درهمٍ. وعن ابن الكلبي قال: كان الحكم بن عبدلٍ منقطعاً إلى بشر بن مروان وكان يأنس به ويقربه، وأخرجه معه إلى البصرة لما وليها، فرأى منه الحكم جفاءً لشغلٍ عرض عرض له فانقطع عنه شهراً ثم أتاه، فلما دخل عليه قال له بشر: يابن عبدلٍ ما لك انقطعت عنا وقد كنت لنا زواراً، فقال ابن عبدلٍ:

كنت أثني عليك خيراً فلـمـا

 

أضمر القلب من نوالك ياسـا

كنت ذا منصبٍ قنـيت حـيائي

 

لم أقل غير أن هجرتك باسـا

لم أطق ما أردت بي يابن مروا

 

ن ستلقـى إذا أردت أنـاسـا

يقبلون الخسيس منك ويثـنـو

 

ن ثناء مدخمساً دخـمـاسـا

فقال له: لا نسومك الخسي ولا نريد منك ثناءً مدخمساً ووصله وكساه، ولما مات بشر جزع ابن عبدلٍ فقال يرثيه:

أصبحت جم البلابل الصـدر

 

متعجباً لتصرف الـدهـر

ما زلت أطلب في البلاد فتىً

 

ليكون لي ذخراً من الذخـر

ويظل يسعدنـي وأسـعـده

 

في كل نائبةٍ مـن الأمـر

حتى إذا ظفـرت يداي بـه

 

جاء القضاء بحينـه جـري

إني لفي هـمٍ يبـاكـرنـي

 

منه وهمٍ طـارقٍ يسـري

فلأصبـرن ومـا رأيت دوا

 

للهم غير عزيمة الصـبـر

والله ما استعظمت فرقـتـه

 

حتى أحاط بفضله خبـري

وعن النضر بن شميلٍ قال: دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو فقال: أنشدني أقنع بيتٍ للعرب، فأنشدته قول الحكم بن عبدلٍ:

إني امرؤ لم أزل وذاك من ال

 

له أديبـاً عـلـم الأدبـــا

أقيم بالدار ما اطمأنت بي الـد

 

دار وإن كنت نازعاً طربـا

لا أحتوي خلة الـصـديق ولا

 

أتبع نفسي شـيئاً إذا ذهـبـا

أطلب ما يطلب الكريم من الر

 

رزق بنفسي وأجمل الطلبـا

وأحلب الثرة الـصـفـي ولا

 

أجهد أخلاف غيرها حلـبـا

إني رأيت الفتى الـكـريم إذا

 

رغبته في صنـيعةٍ رغـبـا

والعبد لا يحسن العطـاء ولا

 

يعطيك شـيئاً إلا إذا ذهـبـا

مثل الحمار الموقع السـوء لا

 

يحسن مشياً إلا إذا ضـربـا

ولم أجد عزة الـخـلائق إل

 

لا الدين لما اعتبرت والحسبا

قد يرزق الخافض المقيم وما

 

شد بعنسٍ رحلاً ولا قـتـبـا

ويحرم الرزق ذو المطية والر

 

رحل ومن لا يزال مغتربـا

وكان الحكم بن عبدلٍ أعرج، فدخل على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو أعرج أيضاً وكان صاحب شرطته أعرج كذلك فقال:

ألق العصا ودع التعارج والتمس

 

عملاً فهذي دولة العـرجـان

لأميرنا وأمير شرطتنـا مـعـاً

 

لكليهما يا قـومـنـا رجـلان

فإذا يكون أمـيرنـا ووزيرنـا

 

وأنا فجئ بالرابع الشـيطـان

وقال في بشر بن مروان:  

ولو شاء بشر كان من دون بابـه

 

طماطم سود أو صقالبة حمـر

ولكن بشراً سهل الباب لـلـتـي

 

يكون لبشرٍ بعدها الحمد والأجر

بعيد مراد العين ما رد طـرفـه

 

حذار الغواشي باب دارٍ ولا ستر