أحد بني بكر بن وائلٍ، شاعر مقدم مجيد من شهراء الدولة الأموية، كان منقطعاً إلى المهلب وولده، ثم انقطع إلى الأمير بلال بن أبي بردة، ووفد على سليمان بن عبد الملك وامتدحه قبل الخلافة فقال:
أتينا سـلـيمـان الأمـير نـزوره |
|
وكان أمرأً يحبـى ويكـرم زائره |
إذا كنت بالنجوى بـه مـتـفـرداً |
|
فلا الجود مخليه ولا البخل حاضره |
كفى سائليه سؤلهم من ضـمـيره |
|
عن البخل ناهيه وبالجـود آمـره؟ |
ودخل عليه وعنده يزيد بن المهلب فقال:
حاز الخلافة والداك كلاهمـا |
|
ما بين سخطة ساخطٍ أو طائع |
أبواك ثم أخوك أصبح ثالـثـاً |
|
وعلى جبينك نورملكٍ رابـع |
سريت خوف بني المهلب بعدما |
|
نظروا السبيل بسم موتٍ ناقع |
ليس الذي أولاك ربك منـهـم |
|
عند الأله وعندهم بالـضـائع |
فأمر له بخمسين ألف درهمٍ، وقال في سليمان أيضاً:
لم تدر ما لا فلست قائلـهـا |
|
عمرك ما عشت آخر الأبد |
ولم تؤامر بتلك مـمـتـرياً |
|
فيها وفي أختها ولم تـكـد |
وهي على أنها الخفـيفة أث |
|
قل حملاً عليك مـن أحـد |
لما تعودت من نعم فنـعـم |
|
ألذ في فيك من جني الشهد |
إلا يكن عاجل تـعـجـلـه |
|
لنا لئلا تـقـول لا فـعـد |
وما تعد في غدٍ يكن غدك ال |
|
وافد للسائلـين خـير غـد |
ودخل على يزيد بن المهلب يوم جمعةٍ وهو يتأهب للمضي إلى المسجد وجاريته تعممه فضحك، فقال له يزيد: مم تضحك؟ قال: من رؤيا رأيتها، إن أذن الأمير قصصتها، قال قل: فأنشأ يقول:
رأيتك في المنام سننت خزاً |
|
على بنفسجاً وقضيت ديني |
فصدق يا هديت اليوم رؤيا |
|
رأتها في المنام كذا عيني |
قال: كم دينك؟ قال: ثلاثون ألفاً، قال: قد أمرنا لك بها ومثلها، ثم قال: يا غلمان فتشوا الخزائن فجيئوه بكل جبة خزٍ بنفسجٍ تجدونها فجاؤوا بثلاثين جبةً، فنظر إليه يلاحظ الجارية فقال: يا جارية عاوني عمك على قبض الجباب، فإذا وصلت إلى منزله فأنت له، فأخذها والجباب وانصرف، وقال في يزيد بن المهلب أيضاً:
ومتى يؤامر نفسه مـسـتـخـلـياً |
|
في أن تجود لدى السؤال تقول جد؟ |
أة أن يعود لنـا بـنـفـحة نـائلٍ |
|
بعد الكرامة والحباء تـقـول عـد |
أو في الزيادة بعد جزل عـطـائه |
|
للمستزيد من العفـاة تـقـول زد |
أو في الوفود على فقـيرٍ مـوبـقٍ |
|
بخلت أقاربه علـيه تـقـول فـد |
أو في ورود شريعةٍ مـحـفـوفةٍ |
|
بالمشرفية والرمـاح تـقـول رد |
ونعم بفـيه ألـذ حـين يقـولـهـا |
|
طعماً من العسل المدوف بماء ورد |
ولما خرج زيد بن عليٍ على هشامٍ منع أهل مكة والمدينة أعطياتهم سنةً، فقال حمزة بن بيضٍ في ذلك:
وصلت سماء الضر بالضر بعد ما |
|
زعمت سماء الضر عنا ستقلـع |
فليت هشاماً كان حياً يسـوسـنـا |
|
وكنا كما كنا نرجى ونـطـمـع |
ولما ولي أبو لبيدٍ البجلي - ابن أخت خالدٍ القسري - أصبهان، وكان رجلاً متنسكاً خرج حمزة بن بيضٍ في صحبته فقيل له: إن مثل حمزة لا يصحب مثلك، لأنه صاحب كلابٍ ولهوٍ، فبعث إليه ثلاثة آلاف درهمٍ وأمره بالانصراف فقال:
يابن الوليد المرتجى سـيبـه |
|
ومن يجلي الحندس الحالكـا |
سبيل معروفك مني عـلـى |
|
بالٍ فما بالي على بالـكـا؟ |
حشو قميصي شاعر مفـلـق |
|
والجود أمسى حشو سربالكـا |
يلومك الناس على صحبـتـي |
|
والمسك قد يستصحب الرامكا |
إن كنت لا تصحب إلا فتـىً |
|
مثلك لن تؤتى بأمـثـالـكـا |
إني امرؤ حيث يريد الهـوى |
|
فعد عن جهلي بإسلامـكـا |
قال له أبو لبيدٍ: صدقت وقرب منزلته. وقال النضربن شميلٍ دخلت على المأمون بمرو فقال: يا نضر أنشدني أخلب بيتٍ للعرب، قلت هو قول ابن بيضٍ في الحكم بن مروان:
تقول لي والعيون هـاجـعة |
|
أقم علينا يوماً فـلـم أقـم |
أي الوجوه انتجعت؟ قلت لها |
|
وأي وجهٍ إلا إلأى الحكـم؟ |
متى يقل حاجبـاً سـرادقـه |
|
هذا ابن بيضٍ بالباب يبتسـم |
قد كنت أسلمت قبل مقتبـلاً |
|
والآن إذ حل فاعطني سلمي |
فقال المأمون: لله درك! فكأنما شق لك عن قلبي. وأودع حمزة عند ناسكٍ ثلاثين ألفاً، ومثلها عند نباذٍ، فأما الناسك فبنى بها داراً وزوج بناته فانفقها وجحدها، وأما النباذ فأدى إليه ماله، فقال في ذلك:
ألا لا يغرك ذو سـجـدةٍ |
|
يظل بهـا دائمـاً يخـدع |
كأن بجـبـهـتـه حـبةً |
|
تسبح طوراً وتستـرجـع |
وما للتقى لزمت وجهـه |
|
ولكن ليغتر مسـتـودع؟ |
ولا تنفرن من أهل النبـيذ |
|
وإن قيل يشرب لا يقلـع |
فعندك علم بما قد خـبـر |
|
ت إن كان علمي بها ينفع |
ثلاثون ألفاً حواها السجود |
|
فليست إلى أهلها ترجـع |
بنى الدار من غير أمواله |
|
فأصبح في بيتـه يرتـع |
مهائر من مالهم قد حـرم |
|
ن ظلماً فهم سغب جـوع |
وأدى أخو الكأس ما عنده |
|
وما كنت في رده أطمع |
ونزل بقومٍ فأساؤوا لبغلته وطرحوا لبغلته تبناً رديئاً فعافته، فأشرف عليها فشحجت حين رأته فقال:
إحسبيها ليلةً أدلـجـتـهـا |
|
فكلي إن شئت تبناً أو ذري |
قد أتى مولاك خبز يابـس |
|
فتغدى فتغدي واصبـري |
ولحمزة بن بيضٍ أخبار حسان مع عبد الملك بن مروان وابنه وآل المهلب يطول ذكرها. توفي سنة ست عشرة ومائةٍ، وقيل عشرين ومائةٍ، والأول أصح.