باب الخاء - خالد بن يزيد بن معاوية

خالد بن يزيد بن معاوية

ابن أبي سفيان. الأمير أبو هاشم الأموي: كان من رجالات قريش المتميزين بالفصاحة والسماحة وقوة المارضة، علامة خبيراً بالطب والكيمياء شاعراً. قال الزبير بن مصعب: كان خالد بن يزيد بن معاوية موصوفاً بالعلم حكيماً شاعراً. وقال ابن أبي حاتم: كان خالد من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام. وقيل عنه: قد علم علم العرب والعجم. روى خالد الحديث عن أبيه وعن دحية بن خليفة الكلبي - رضي الله عنه - وروى عنه الزهري وغيره. وأخرج البيهقي والخطيب البغدادي والعسكري والحافظ بن عساكر عنه عدة أحاديث. وكان إذا لم يجد أحداً يحدثه حدث جواريه، وكان من صالحي القوم، وكان يصوم الجمعة والسبت والأحد. وكان يقول: كنت معنياً بالكتب، وما أنا من العلماء ولا من الجمال. وكان خالد جواداً ممدحاً جاءه رجل فقال له: إني قد قلت فيك بيتين ولست أنشدهما إلا بحكمي، فقال له قل، فقال:

سألـت الـنـدى والـجود حران أنـتـما؟

 

فقـالا بـلـى عـبـدان بـــين عـــبـــيد

فقلت ومن مولاكما فتطاولا علي وقالا خالد بن يزيد

 

 

 فقال له تحكم. فقال: مائة ألف درهمٍ، فأمر له بها. وكان خالد شجاعاً جريئاً وكان بينه وبين عبد الملك ابن مروان مناظرات، تهدده عبد الملك مرةً بالسطوة والحرمان فقال له: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وعطاؤه دونك مبذول؟ وأجرى أخوه عبد الله بن يزيد الخيل مع الوليد بن عبد الملك فسبقه عبد الله، فدخل الوليد على خيل عبد الله فنقرها ولعب بها فجاء عبد الله إلى أخيه خالدٍ فقال: لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك، فقال له خالد: بئس ما هممت به في ابن أمير المؤمنين وولى عهد المسلمين، قال: إنه لقى خيلي فنفرها وتلاعب بها، فقال له خالد: أنا أكفيكه فدخل خالد على عبد الملك وعنده الوليد وقال له أمير المؤمنين: إن الوليد بن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمه عبد الله فنرها وتلاعب بها فشق ذلك على عبد الله. فقال عبد الملك: إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوا وجعلوا أعزة أهلها أذلةً، وكذلك يفعلون. فقال له خالد: وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً. فقال له عبد الملك: أما والله لنعم المرء عبد الله على لحن فيه. فقال له خالد: أفعلى الوليد تعول مع اللحن. فقال عبد الملك إن يكن الوليد لحاناً فأخوه سليمان. قال خالد: وإن يكن عبد الله لحاناً فأخوه خالد. فقال عبد الملك: مدحت والله نفسك يا خالد. قال: وقبلي والله مدحت نفسك يا أمير المؤمنين، قال: ومتى؟ قال: حين قلت أنا قاتل عمرو بن سعيدٍ، حق والله لمن قتل عمراً أن يفخر بقتله، قال: أما والله لمروان كان أطولنا باعاً، قال: أما إني أرى ثأري في مروان صباح مساء، ولو أشاء أن أديله لأدلته؟ قال ما أجرأك علي يا خالد خلني عنك. قال لا والله، قال الشاعر:

ويجر اللسان من أسلات ال

 

حرب ما لا يجر منها البنان

فقال عبد الملك: يا وليد أكرم ابن عمك، فقد رأيت أباه يكرم أباك، وجده يكرم جدك. وقيل لخالد: ما أقرب شيء؟ قال: الأجل. قيل: فما أرجى شيءٍ؟ قال: العمل. قيل فما أوحش شيء؟ قال الميت. قيل فما آنس شيء؟ قال الصاحب المؤاتي. وقيل له: ما الدنيا؟ قال ميراث. قيل: فالأيام؟ قال دول.

قيل: فالدهر؟ قال أطباق والموت يكمل سبيله، فليحذر العزيز الذل، والغنى الفقر، فكم عزيزٍ قد ذل، وكم من غنى قد افتقر. وقال: إذا كان الرجل ممارياً لجوجاً معجباً برأيه فقد تمت خسارته. ولما لزم بيته قيل له: كيف تركت الناس ولزمت بيتك؟ فقال: هل بقي إلا حاسد نعمةٍ أو شامت بنكبة؟ ومن شعرخالد بن يزيد:

أتعجب أن كنت ذا نعـمةٍ

 

وأنك فيها شريف مهيب؟

فكم ورد الموت من ناعمٍ

 

وحب الحياة إليه عجيب

سقته ذنوباً من أنفاسـهـا

 

ويذخر للحى منها ذنوب

وقال في رملة بنت الزبير بن العوام:

أليس يزيد السير في كـل لـيلة

 

وفي كل يومٍ من أحبتنا قـربـا

أحن إلى بنت الزبير وقد عـدت

 

بنا العيس خرقاً من تهامة أو نقبا

إذا نزلت أرضاً نحبب أهلـهـا

 

إلينا وإن كانت منازلها حـربـا

وإن نزلت ماء وإن كان قبلـهـا

 

مليحاً وجدنا ماءه بارداً عـذبـا

تجول خلاخيل الـنـاء ولا أرى

 

لرملة خلخالاً يجول ولا قلـبـا

أقلوا علي اللوم فيها فـإنـنـي

 

تخيرتها منهم زبـيرية قـلـبـا

أحب بني العوام طرا لحـبـهـا

 

ومن حبها أحببت أخوالها كلبـا

وقال:

إن سرك الشرف العظيم مع الغنى

 

وتكـون يوم أشـد خـوفٍ وائلا

يوم الحساب إذا النفوس تفاضلـت

 

في الوزن إذ غبط الأخف الأثقلا

فاعمل لما بعد الممات ولا تـكـن

 

عن حظ نفسك في حياتك غافـلا

ومما نسبوا إليه من التصانيف في الكيمياء. السر البديع في فك الرمز المنيع، وكتاب الفردوس ورسائل أخرى. توفي خالد بن يزيد سنة تسعين، وقيل سنة خمسٍ وثمانين، وشهده الوليد بن عبد الملك وقال: لتلق بنو أمية الأردية على خالدٍ فلن يتحسروا على مثله أبداً.