باب الخاء - خالد بن يزيد

خالد بن يزيد

مولى بني المهلب، ويقال له خالويه المكدي، كان أديباً ظريفاً بلغ في البخل والتكدية وكثرة المال المبلغ الذي لم يبلغه أحد، وكان متكلماً بليغاً قاصاً داهياً، وكان أبو سليمان الأعور وأبو سعيدٍ المدائني القاصان من غلمانه، وله أخبار حسان، ومن لطائفه وصيته لابنه عند موته، وفيها لطائف وغرائب قال فيها: إني قد تركت لك ما تأكله إن حفظته، وما لا تأكله إن ضيعته، ولما أورثتك من العرف الصالح وأشهدتك من صواب التدبير، وعودتك من عيش المقتصدين خير لك من هذا المال، وقد دفعت إليك آلةً لحفظ المال عليك بكل حيلةٍ، ثم إن لم يكن لك معين من نفسك فما انتفعت بشيء من ذلك، بل يعود ذلك النهي كله اعتزالاً لك، وذلك المنع تهجيناً لطاعتك، وقد بلغت في البر منقطع العمران، وفي البحر أقصى مبلغ السفن، فلا عليك إذ رأيتني ألا ترى ذا القرنين، ودع عنك مذاهب ابن شرية فإنه لا يعرف إلا ظاهر الخبر، ولو رآني تميم الداري لأخذ عني صفة الروم، ولأنا أهدى من القطا، ومن دعيميص ومن رافعٍ المخش، إني قد بت في القفر مع الغول، وتزوجت السعلاة، وجاوبت الهاتف، ورغت عن الجن إلى الجن، واصطدت الشق وجاورت النسناس، وصحبني الرئي وعرفت خدع الكاهن وتدسيس العراف، وإلى م يذهب الخطاط والعياف، وما يقول أصحاب الأكناف، وعرفت التنجيم والزجر، والطرق والفكر. إن هذا المال لم أجمعه إلا من القص والتكدية ومن احتيال النهار ومكابدة الليل، ولا يجمع مثله أبداً إلا من معاناة ركوب البحر، ومن عمل السلطان أو من كيمياء الذهب والفضة، قد عرفت الأس حق معرفته، وفهمت سر الإكسير على حقيقته، ولولا علمي بضيق صدرك، ولولا أن أكون سبباً لتلف نفسك لعلمتك الساعة الشيء الذي بلغ به قارون ما بلغ، وبه تبنكت خاتون، والله ما يتسع صدرك عندي لسر صديقٍ فكيف ما لا يحتمله عزم ولا يتسع له صدر، وخزن سر الحديث وحبس كنوز الجواهر أهون من خزن العلم، ولو كنت عندي مأموناً على نفسك لأجريت الأرواح في الأجساد، وأنت تبصر ما كنت لا تفهمه بالوصف ولا تحقه بالذكر، ولكني سألقي عليك علم الإدراك وسبك الرخام وصنعة الفسيفساء وأسرار السيوف القلعية وعقاقير السيوف اليمانية وعمل الفرعوني وصنعة التلطيف على وجهه إن أقامني الله من صرعتي هذه، ولست أرضاك وإن كنت فوق البنين ولا أثق بك وإن كنت لاحقاً بالآباء لأني لم أبالغ في محبتك، إني قد لابست السلاطين والمساكين، وخدمت الخلفاء والمكدين، وخالطت النساك والفتاك، وعمرت السجون كما عمرت مجالس الذكر، وحلبت الدهر أشطره، وصادفت دهراً كثير الأعاجيب، فلولا أني دخلت من كل بابٍ وجريت مع كل ريحٍ في السراء والضراء حتى مثلت لي التجارب عواقب الأمور، وقربتني من غوامض التدبير، لما أمكنني جمع ما أخلفه لك، ولا حفظ ما حبسته عليك، ولم أحمد نفسي على جمعه كما حمدتها على حفظه، لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس وإنما حفظته لك من فتنة الأبناء ومن فتنة النساء ومن فتنة الثناء ومن فتنة الرياء ومن أيدي الوكلاء فإنهم الداء العياء. والوصية كلها على هذا النمط وفيها غرائب وهي طويلة تقع في كراسةٍ.