باب الخاء - خالد بن زيد الكاتب

خالد بن زيد الكاتب

أبو الهيثم من أهل بغداد، وأصله من خراسان، شاعر مشهور رقيق الشعر. كان من كتاب الجيش ثم ولاه الوزير محمد بن عبد الملك الزيات عملاً ببعض الثغور، فخرج فسمع في طريقه مغنيةً تغني:

من كان ذا شجنٍ بالشـام يطـلـبـه

 

ففي سوى الشام أمسى الأهل والشجن

فبكى حتى سقط على وجهه مغشياً عليه فأفاق مختلطاً ووسوس. وقال قوم: كان يهوى جاريةً لبعض الوجوه ببغداد فلم يقدر عليها فاختلط، وقيل إن السوداء غلبت عليه، وقيل كان خالد مغرماً بالغلمان ينفق عليهم كل ما يستفيد، فهوى غلاماً يقال له عبد الله، وكان أبو تمامٍ الطائي الشاعر يهواه. فقال فيه خالد:

قضيب بانٍ جنـاه ورد

 

تحملـه وجـنة وخـد

لم أثن طرفي إلـيه إلا

 

مات عزاء وعاش وجد

ملك طوع النفوس حتى

 

علمه الزهو حين يبدو

واجتع الصد فيه حتـى

 

ليس لخلقٍ سواه صـد

فبلغ ذلك أبا تمامٍ فقال فيه أبياتاً منها:

شعرك هذا كله مفرط

 

في برده يا خالد البارد

فعلمها الصبيان فما زالوا يصيحون به يا خالد البارد حتى وسوس: وهجا أبا تمامٍ في هذه القصة فقال:

يا معشر المرد إني نـاصـح لـكـم

 

والمرء في القول بين الصدق والكذب

لا ينكحن حبـيبـاً مـنـك كـم أحـد

 

فإن وجعاءه أعدى مـن الـجـرب

لا تأمنوا أن تعـودوا بـعـد ثـالـثةٍ

 

فتركبوا عمداً ليست من الـخـشـب

وحدث ابنأبي سلالة الشاعر قال: دخلت بغداد في بعض السنين فينا أنا مار في طريقٍ إذا أنا برجلٍ عليه مبطنه وعلى رأسه قلنسوة سوداء وهو راكب على قصبةٍ والصبيان خلفه يصيحون: يا خالد البارد، فإذا آذوه حمل عليهم بالقصبة، فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا وأدخلته بستاناً هناك فجلس واستراح، واشتريت له رطباً فأكل واستنشدته فأنشدني:

قد حاز قلبي فصار يمـلـكـه

 

فكيف أسلو وكيف أتركـه؟؟

رطيب جسمٍ كالماء تحسـبـه

 

يخطر في القلب منه مسكلـه

يكاد يجري من القميص من الن

 

نعمة لولا القميص يمسـكـه

ومن شعر خالدٍ أيضاً:

كبد شفها غليل الـتـصـابـي

 

بين عتبٍ وجـفـوةٍ وعـذاب

كل يوم تدمي بجرح من الشـو

 

ق ونوعٍ مجددٍ مـن عـتـاب

يا سقيم الجفون أسقمت جسمـي

 

فاشفني كيف شئت لابك ما بي

إن أكن مذنباً فكن حسن العـف

 

و أو اجعل سوى للصدود عتابي

وقال:

يا تارك الجسم بلا قـلـب

 

إن كنت أهواك فما ذنبي؟

يا مفرداً بالحسن أفردتنـي

 

منك بطول الشوق والحب

إن تك عيني أبصرت فتنةً

 

فهل على قلبي من عتب؟

فحسبك الله لما بي كـمـا

 

أنك في فعلك بي حسبي

توفي خالد الكاتب ستة تسعٍ وستين ومائتين ببغداد.