باب الخاء - خلف بن حيان

خلف بن حيان

أبو محرزٍ البصري المعروف بالأحمر، مولى أبي بردة بلا لبن أبي موسى الأشعري أعنق بلال أبوية وكانا فرغانيين. قال أبو عبيدة معمر بن المثني: خلف الأحمر معلم الأصمعي ومعلم أهل البصرة. وقال الأخفش: لم أدرك أحداً أعلم با لشعر من خلفٍ الأحمروالأصمعي.

وقال ابن سلامٍ: أجمع أصحابنا أن الأحمر كان أفرس الناس ببيت شعرٍ وأصدق لساناً وكنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبراً أو أنشدنا شعراً ألا نسمعه من صاحبه. وقال شمر: خلف الأحمر أول من أحدث السماع بالبصرة، وذلك أنه جاء إلى حمادٍ الراوية فسمع منه وكان ضنيناً بأدبه. وقال أبو الطيب عبد الواحد اللغوي: كان خلف يضع الشعر وينسبه إلى العرب فلا يعرف، ثم نسك، وكان يختم القرآن كل ليلةٍ، وبذل له بعض الملوك مالاً عظيماً على أن يتكلم في بيت شعرٍ شكوا فيه فأبى. ولخلفٍ ديوان شعر حمله عنه أبو نواسٍ، وكتاب جبال العرب. توفي في حدود الثمانين ومائةٍ.

حدث الأصمعي قال: حضرنا مأدبةً ومعنا أبو محرز خلف الأحمر وحضرها ابن مناذرٍ الشاعر فقال لخلفٍ الأحمر: يا أبا محرز، إن يكن النابغة وامر القيس وزهير قد ماتوا فهذه أشعارهم مخلدة، فقس شعري إلى شعرهم، واحكم فيها بالحق، فغضب خلف ثم أخذ صحفةً مملوءةً مرقاً فرمى بها عليه، فقام ابن مناذر مغضباً وأظنه هجاه بعد ذلك.

وحدث ابن سلامٍ قال: قال لي خلف الأحمر: كنت أسمع ببشار بن بردٍ أن أراه، فذكروه لي يوماً وذكروا بيانه وسرعة جوابه وجودة شعره، فاستنشدتهم شيئاً من شعره فأنشدوني شيئاً لم أحمده فقلت: والله لآتينه ولأطأطئن منه، فأتيته وهو جالس على بابه فرأيته أعمى قبيح المنظر عظيم الجثة. فقلت: - لعن الله - من يبالي بهذا، فوقفت أتأمله طويلاً فبينا أنا كذلك إذ جاءه رجل فقال: إن فلاناً سبك عند الأمير محمد بن سليمان ووضع منك. فقال: أو قد فعل؟ قال: نعم. فأطرق وجلس الرجل عنده وجلست، وجاء قوم فسلموا عليه فلم يردد عليهم، فجعلوا ينظرون إليه وقد درت أوداجه، فلم يلبث إلا ساعةً حتى أنشدنا بأعلى صوته وأفجمه فقال:

نبئت نائك أمه يغـتـابـنـي

 

عند الأمر وهل علي أمير؟

ناري محرقة وبيتي واسـع

 

للمعتفين ومجلسي معمـور

ولي المهابة في الأحبة والعدا

 

وكأنني أسد لـه تـامـور

غرثت حليلته وأخطأ صـيده

 

فله على لقم الطـريق زئير

قال: فارتعدت والله فرائصي، واقشعر جلدي، وعظم في عيني جداً حتى قلت في نفسي: الحمد لله الذي أبعدني من شرك. وكان بين خلفي الأحمر وبينأبي محمدٍ اليزيدي مهاجاة، فقال أبو محمدٍ فيه:

زعم الأحمر المقيت لدينا

 

والذي أمه تقر بمقـتـه

أنه علم الكسائي نـحـواً

 

فلئن كان ذا كذاك فباسته

وهجا خلف أبا محمدٍ اليزيدي بقصيدة فائيةٍ تداولها الأفواه والأسماع، نسبه فيها إلى اللواطة مطلعها:

إني ومن وسج المطـي لـه

 

حدب الذري إرقالها رجـف

والمحرمين لصوتهـم زجـل

 

بفناء كعبتـه إذا هـتـفـوا

مني إلـيه غـير ذي كـذبٍ

 

ما إن رأى قوم ولا عرفـوا

في غابر الناس الذين بـقـوا

 

والفرط الماضين من سلفـوا

أحداً كيحى في الطعان اذا اف

 

ترش القنا وتضعضع الحجف

في معركٍ يلقى الكمـى بـه

 

للوجه منبطحـاً وينـحـرف

وإذا أكب القـرن يتـبـعـه

 

طعناً دوين صلاه ينخـسـف

وهي طويلة نحو أربعين بيتاً اكتفينا بهذا المقدار منها؟