باب الخاء - الخليل بن أحمد

الخليل بن أحمد

ابن عمر بن تميمٍ أبو عبد الرحمن الفراهيدي، ويقال: الفرهودي نسبة إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله ابن مالك بن مضر الأزدي البصري، سيد الأدباء في علمه وزهده.

قال السيرافي: كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله. أخذ عن أبي عمرو بن العلا وروى عن أيوب وعاصمٍ الأحول وغيرهما، وأخد عنه الأصمعي، وسيبويه، والنضر بن شميلٍ، وأبو فيد مؤرج السدوسي، وعلي بن نصرٍ الجهضمي وغيرهم، وهو أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب، يقال إنه دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علماً لم يسبق به، فرجع وفتح عليه بالعروض وكانت معرفته بالإيقاع هو الذي أحدث له علم العروض، وكان يقول الشعر فينظم البيتين والثلاثة ونحوها.

وكان سفيان النوري يقول: من أحب أن ينظر إلى رجلٍ خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد، ويروي عن النضر بن شميلٍ أنه قال: كنا نمثل بين ابن عونٍ والخليل بن أحمد أيهما نقدم في الزهد والعبادة، فلا ندري أيهما نقدم؟ وكان يقول: ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عونٍ من الخليل بن أحمد. وكان يقول: أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه وهو في خصٍ لا يشعر به، وكان يحج سنةً ويغزو سنةً، وكان من الزهاد المنقطعين إلى الله تعالى، وكان يقول: إن لم تكن هذه الطائفة أولياء الله تعالى فليس لله ولي. وللخليل من التصانيف: كتاب الإيقاع، وكتاب الجمل، وكتاب الشواهد، وكتاب العروض، وكتاب العين في اللغة، ويقال: إنه لليث بن نصر بن سيارٍ عمل الخليل منه قطعةً وأكمله الليث. وله كتاب فائت العين، وكتاب النغم، وكتاب النقط والشكل وغير ذلك. وروى أنه كان يقطع بيتاً من الشعر فدخل عليه ولده في تلك الحالة فخرج إلى الناس وقال: إنأبي قد جن فدخل الناس عليه وهو يقطع البيت فأخبروه بما قال ابنه فقال له:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

 

أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتنـي

 

وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

ووجه إليه سليمان بن علي وإلى الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل لرسوله سليمان خبزاً يابساً وقال: ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان، فقال الرسول: فما أبلغه عنك؟ فقال:

أبلغ سليمان أني عنـه فـي سـعةٍ

 

وفي غنىً غير أني لست ذا مـال

سخى بنفسـي أنـي لا أرى أحـداً

 

يموت هزلاً ولا يبقى علـى حـال

والفقر في النفس لا في المال نعرفه

 

ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

فالرزق عن قدرٍ لا العجز ينقصـه

 

ولا يزيدك فيه حـول مـحـتـال

ومن شعره أيضاً:

وقبلك داوى الطبيب المريض

 

فعاش المريض ومات الطبيب

فكن مستعداً لـدار الـفـنـاء

 

فإن الـذي هـو آتٍ قـريب

توفي سنة ستين ومائةٍ وقيل سبعين ومائةٍ، وله أربع وسبعون سنةً.