باب الخاء - خويلد بن خالد

خويلد بن خالد

ابن محرز بن زبيد بن أسد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن غنم بن سعد بن هذيلٍ الهذلي أو ذؤيبٍ شاعر مجيد مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، قدم المدينة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه. روى عنه أنه قال: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت: مه؟ فقالوا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي روايةٍ أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل وقع ذلك إلينا عن رجلٍ من الحي قدم معتماً فأوجس أهل الحي خيفةً وأشعرنا حزناً، فبت بليلةٍ باتت النجوم بها طويلة الأناة لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي طولها وأقارع غولها حتى إذ كان دوين السمر وقرب السحر، خفت فهتف هاتف وهو يقول:

خطب أجل أناخ بالإسـلام

 

بين النخيل ومعقد الآطـام

قبض النبي محمد فعيوننـا

 

تذري الدموع عليه بالتسجام

قال أبو ذؤيبٍ: فوثبت من نومي فزعاً فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعداً الذابح، فتفاءلت به ذبحاً يقع في العرب، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض، أو أنه ميت فركبت ناقتي فسرت، فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجزه فعن لي القنفذ قد قبض على صلٍ - يعني حيةً - فهي تلتوي عليه والقنفذ يقضمه حتى أكله، فزجرت ذلك وقلت تلوي الصل انفتال الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله، ثم أولت أكل القنفذ له غلبة القائم على الأمر. والحديث طويل ذكر فيه حضوره في سقيفة بني ساعدة، ومبايعة أبي بكرٍ - رضي الله عنه - وروى ابن سلامٍ عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: سئل حسان بن ثابتٍ من أشعر الناس؟ قال: أحيا؟ قالوا: حياً، قال: أشعر الناس حياً هذيل، غير مدافعٍ أبو ذؤيبٍ. وقال ابن شبة: تقدم أبو ذؤيبٍ جميع شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يرثي فيها بنية، ومطلعها:

أمن المنون وريبه تـتـوجـع

 

والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع

قالت أميمة ما لجسمك شاحبـاً

 

منذ ابتذلت ومثل مالك ينفـع؟

أم ما لجسمك لا يلائم مضجعاً

 

إلا أقض عليك ذاك المضجع

فأجبتها أما لجـسـمـي إنـه

 

أودي بني من البلاد فودعـوا

أودي نبي فأعقبوني حـسـرةً

 

بعد السرور وعبرةً ما تقلـع

ومنها:

ولقد حرصت بأن أدافع عـنـهـم

 

وإذا المنية أقـبـلـت لا تـدفـع

وإذا المنية أنشـبـت أظـفـارهـا

 

ألفيت كـل تـمـيمةٍ لا تـنـفـع

وتجلدي لـلـشـامـتـين أريهـم

 

أني لريب الدهر لا أتضعـضـع

لابد من تلفٍ مقـيمٍ فـانـتـظـر

 

أبأرض قومك أم بأخرى المضجع؟

ومنها:

والنفس راغـبة إذا رغـبـتـهـا

 

وإذا ترد إلـى قـلـيلٍ تـقـنـع

كم من جميعي الشمل ملتئمي الهوى

 

كانوا بعيشٍ ناعمٍ فـتـصـدعـوا

وهي نحو سبعين بيتاً أورد ابن رشيقٍ أبياتاً منها في العمدة، وعدها في المطبوع من شعر العرب. ومن شعره ما أنشده له ثعلب:

وعيرها الواشون أني أحبـهـا

 

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

فإن أعتذر منها فإني مـكـذب

 

وإن تعتذر يردد علي اعتذارها

وشعرأبي ذؤيب كله على نمطٍ في الجودة وحسن السبك، وتوفي في غزوة إفريقية مع ابن الزبير، وقال وهو يجود بنفسه مخاطباً ابن أخيه أبا عبيدٍ:

أبا عبيدٍ وقع الـكـتـاب

 

واقترب الوعيد والحساب

وعند رحلي جملٌ منجاب

 

أحمر في حاركه انصباب

ثم قضى نحبه ودلاه ابن الزبير في حفرته.