باب الدال - دعبل بن علي

دعبل بن علي

ابن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن أنس بن خزيمة. كذا قال أبو الفرج، وقال آخرون: دعبل بن علي بن رزين بن عثمان ابن عبد الله بن بديل بن ورقاء يتصل نسبه بمضر، أبو عليٍ الخزاعي، وعلى هذا الأكثر. شاعر مطبوع مفلق يقال: إن أصله من الكوفة وقيل من قرقيسيا وكان أكثر مقامه ببغداد، وسافر إلى غيرها من البلاد فدخل دمشق ومصر، وكان هجاءً خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء ولا من الوزراء ولا من أولادهم، ولا ذو نباهةٍ أحسن إليه أو لم يحسن، وكان بينه وبين الكميت بن زيدٍ وأبي سعدٍ المخزومي مناقضات، وكان من مشاهير الشيعة، وقصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر، وأسنى المدائح قصد بها أبا علي بن موسى الرضا بخراسان، فأعطاه عشرةً آلاف درهمٍ وخلع عليه بردةً من ثيابه، فأعطاه بها أهل قمٍ ثلاثين ألف درهم فلم يبعها، فقطعوا عليه الطريق ليأخذوها فقال لهم: إنها تراد لله عز وجل وهي محرمة عليكم، فدفعوا له ثلاثين ألف درهمٍ فحلف كما واحداً فكان في أكفانه، ويقال: إنه كتب القصيدة في ثوبٍ وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه، ونسخ هذه القصيدة مختلفة، في بعضها زيادات يظن أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة، وإنا موردون هنا ما صح منها، قال:

مدارس آياتٍ خـلـت مـن تـلاوةٍ

 

ومنزل وحي مقفر العـرصـات

لآل رسول الله بالخيف من مـنـىً

 

وبالركن والتعريف والجـمـرات

ديار عليٍ والحسـين وجـعـفـرٍ

 

وحمزة والسجاد ذي الـثـفـنـات

ديار عفاها كل جـونٍ مـبـاكـر

 

ولم تعـف لـلأيام والـسـنـوات

قفا نسأل الدار التي خف أهـلـهـا

 

متى عهدها بالصوم والصلـوات؟

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى

 

أفانين في الآفاق مـفـتـرقـات

هم أهل ميراث النبـيإذا اعـتـزوا

 

وهم خر قـاداتٍ وخـير حـمـاة

وما الناس إلا حـاسـد ومـكـذب

 

ومضطـغـن ذو إحـنةٍ وتـرات

إذا ذكروا قتلـى بـيدرٍ وخـيبـرٍ

 

ويوم حنين أسبلـوا الـعـبـرات

قبور بكوفـاتٍ وأخـرى بـطـيبةٍ

 

وأخرى بفخٍ نالهـا صـلـواتـي

وقبر ببـغـداد لـنـفـسٍ زكـيةٍ

 

تضمنها الرحمن في الـغـرفـات

فأما المصمات التي لست بـالـغـاً

 

مبالغها مني بـكـنـه صـفـات

إلى الحشر حتى يبعث الله قـائمـاً

 

يفرج منها الـهـم والـكـربـات

نفوس لدى النهرين من أرض كربلا

 

معرسهم فـيهـا بـشـط فـرات

تقسمهم ريب الزمان كـمـا تـرى

 

لهم عمرة مغشـية الـحـجـرات

سوى أن منهم بالمـدينة عـصـبةً

 

مدى الدهر أنضاء مـن الأزمـات

قليلة زوارٍ سـوى بـعـض زور

 

من الضبع والعقبان والرخـمـاتٍ

لهم كل حينٍ نومة بمـضـاجـعٍ

 

لهم في نواحي الأرض مختلفات

وقد كان منهم بالحجاز وأهلـهـا

 

مغاوير يختارون في السـروات

تنكب لاواء السنـين جـوارهـم

 

فلا تصطليهم جمرة الجمـرات

إذا وردوا خيلاً تشمس بالـقـنـا

 

مساعر جمر الموت والغمرات

وإن فخروا يوماً أتوا بمـحـمـدٍ

 

وجبريل والفرقان ذي السورات

ملامك في أهل النبـيفـإنـهـم

 

أحباي ما عاشوا وأهل ثقـاتـي

تخيرتهم رشداً لأمري فـإنـهـم

 

على كل حالٍ خيرة الـخـيرات

فيا رب زدني من يقيني بصـيرةً

 

وزد حبهم يا رب في حسناتـي

بنفسي أنتم من كهـولٍ وفـتـيةٍ

 

لفك عنـاةٍ أو لـحـمـل ديات

أحب قصي الرحم من أجل حبكم

 

وأهجر فيكم أسرتي وبـنـاتـي

وأكتم حبيكم مـخـافة كـاشـحٍ

 

عنيدٍ لأهل الحق غـير مـوات

لقد حفت الأيام حولي بشـرهـا

 

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتـي

ألم تر أني من ثـلاثـين حـجةً

 

أروح وأغدو دائم الحـسـرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسـمـاً

 

وأيديهم من فيئهـم صـفـرات

فآل رسول الله نحف جسومـهـم

 

وآل زيادٍ حفـل الـقـصـرات

بنات زياد في القصور مصـونة

 

وآل رسول الله في الفـلـوات

إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهـم

 

أكفاً عن الأوتار منقـبـضـات

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ

 

لقطع قلبي إثرهم حـسـراتـي

خروج لا مـحـالة خـــارج

 

يقوم علي اسم الله والبـركـات

يميز فينا كـل حـقٍ وبـاطـلٍ

 

ويجزي على النعماء والنقمـات

سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم

 

كفاني ما ألقى من العـبـرات

فيا نفسس طيبي ثم يا نفس أبشري

 

فغير بعـيدٍ كـل مـا هـو آت

فإن قرب الرحمن من تلك مدتي

 

وأخر من عمري لطول حياتـي

شفيت ولم أترك لنفـسـي رزيةً

 

ورويت منهم منصلي وقنـاتـي

أحاول نقل الشمس من مستقرها

 

وأسمع أحجاراً من الصـلـدات

فمن عارفٍ لم ينتفع ومـعـانـدٍ

 

يميل مع الأهواء والشبـهـات

قصاراى منهم أن أموت بغـصةٍ

 

تردد بين الصدر والـلـهـوات

كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبهـا

 

لما ضمنت من شدة الزفـرات

ومما يختار من شعر دعبلٍ قصيدته العينية التي رثي بها الحسين عليه السلام قال.

رأس ابن بنت محمـدٍ ووصـيه

 

يا للرجال على قنـاةٍ تـرفـع

والمسلمون بمنظرٍ وبمـسـمـعٍ

 

لا جازع من ذا ولا متخـشـع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كـرى

 

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجـع

كحلت بمنظرك العيون عمـايةً

 

وأصم نعيك كل أذنٍ تـسـمـع

ما روضة إلا تمـنـت أنـهـا

 

لك مضجع ولخط قبرك موضع

ومن مختاراته أيضاً قوله:

خليلي ماذا أرتجي من غد امريءٍ

 

طوى الكشح عني اليوم وهو مكين

وإن أمرأ قد ضن منه بمـنـطـقٍ

 

يسد به فقر امـرئٍ لـضـنـين

ومن مختار شعره قوله:

أين الشبـاب وأيةً سـلـكـا؟

 

لا أين يطلب ضل بل هلكا؟؟

لا تعجبي يا سلم مـن رجـلٍ

 

ضحك المشيب برأسه فبكـى

لا تأخذوا بظـلامـتـي أحـداً

 

قلبي وطرفي في دمي اشتركا

ولد عبل كتاب طبقات الشعراء. وديوان شعرٍ. مات سنة ستٍ وأربعين ومائتين.