باب الزاي - زند بن الجون

زند بن الجون

المعروف بأبي دلامة الكوفي، أسود، من موالي بني أسدٍ، أدرك آخر أيام بني أمية، ونبغ في أيام بني العباس، وانقطع إلى السفاح والمنصور والمهدي، ومات في خلافة المهدي سنة إحدى وستين ومائتين. وله مع الخلفاء والأمراء أخبار كثيرة ونوادر جمة، فمن ذلك أنا أبا جعفر المنصور أمر أصحابه بلبس السواد وقلانس طوال، ودراريع كتب عليها: (فسيكفيكم الله وهو السميع العليم). وأن يعلقوا السيوف في المناطق، فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزي، فقال له المنصور: كيف أصبحت يا أبا دلامة؟ قال: بشر حالٍ يا أمير المؤمنين، قال: كيف ذلك ويلك؟ قال: وما ظنك يا أمير المؤمنين بمن أصبح وجهه في وسطه، وسيفه على استه، ونبذ كتاب الله وراء ظهره، وصبغ بالسواد ثيابه، فضحك المنصور ووصله، وأمر بتغيير ذلك الزي، وفي ذلك يقول أبو دلامة:

وكنا نرجى مـن إمـامٍ زيادةً

 

فجاد بطولٍ زاده في القلانس

نراها على هام الرجال كأنها

 

دنان يهودٍ جللت بالبـرانـس

وخرج أبو دلامة مع روح بن حاتمٍ المهلبي في بعث لقتال الشراة، فلما نشبت الحرب أمره روح بمبارزة فارس من الشراة يدعو إلى البراز، فقال أبو دلامة:

أني أعوذ بروحٍ أن يقـدمـنـي

 

إلى البراز فتخزي بي بنو أسـد

إن البراز إلى الأقران أعلـمـه

 

مما يفرق بين الروح والجـسـد

قد خالفتك المنايا إن صمدت لهـا

 

وإنها لجميع الخلق بـالـرصـد

إن المهلب حب الموت أورثـكـم

 

وما ورثت اختيار الموت عن أحد

لو أن لي مهجةً أخرى لجدت بها

 

لكنها خلقت فـرداً فـلـم أجـد

فضحك منه روح وأعفاه. ولأبي دلامة شعر كثير كله جيد وفيما أوردناه منه كفاية.