باب السين - السري بن أحمد بن السري

السري بن أحمد بن السري

أبو الحسن الكندي المعروف بالسري الرفاء الموصلي الشاعر المشهور. أسلمه أبوه صبياً للرفائين بالوصل فكان يرفو ويطرز، وكان مع ذلك ينظم الشعر ويجيد فيه. كتب إليه في ذلك الحال صديق له يسأل عن خبره وحاله في حرفته فكتب إليه:

يكفيك من جملة أخـبـاري

 

يسري من الحب وإعساري

في سوقةٍ أفضلهم مـرتـدٍ

 

نقصاً ففضلي بينهم عاري

وكانت الإبرة فيما مضـى

 

صائنةً وجهي وأشعـاري

فأصبح الرزق بها ضـيقـاً

 

كأنه من ثقبـهـا جـاري

فلما جاد شعره انتقل من حرفة الرفو إلى حرفة الأدب، واشتغل بالوراقة فكان ينسخ ديوان شعر كشاجم وكان مغري به، وكان يدس فيما يكتبه منه أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه، ويشنع بذلك على الخالديين لعداوةٍ كانت بينه وبينهما فكان يدعى عليهما سرقة شعره وشعر غره، فكان فيما يدسه من شعرهما في ديوان كشاجم، يتوخى اثبات مدعاة، ولم يزل السرى في ضنكٍ من العيش إلى أن خرج إلى حلب واتصل بسيف الدولة ومدحه وأقام بحضرته فاشتهر وبعد صيته، ونفق سوق شعره عند أمراء بني حمدان ورؤساء الشام والعراق، ولما مات سيف الدولة انتقل السري إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وغيره من الأعيان والصدور فارتفق وارتزق، وحسنت حاله وسار شعره في الآفاق، وللسري تصانيف منها: كتاب الديرة، وكتاب المحب والمحبوب. والمشموم والمشروب وديوان شعرٍ يدخل في مجلدين. وكانت وفاته ببغداد سنة اثنتين وستين وثلاثمائةٍ. ومن مدائحه لسيف الدولة قوله:

أعزمتك الشهاب أم النـهـار

 

وراحتك السحاب أم البحار؟؟

خلقت منيةً ومنىً وتضحـى

 

تمور بك البسيطة أو تمـار

تحلى الدين أو تحمى حـمـاه

 

فأنت عليه سـور أو سـوار

ومنها:

حضرنا والملوك لـه قـيام

 

تغض نواظراً فيها انكسـار

وزرنا منه ليث الغاب طلقـاً

 

ولم نر قبلـه لـيثـاً يزار

فعشت مخيراً لك في الأماني

 

وكان على العدو لك الخيار

وضيفك للحيا المنهل ضـف

 

وجارك للربيع الطلق جار

ومن غرر شعره في الغزل قوله.

بلاني الحب فيك بما بـلانـي

 

فشأني أن تفيض غروب شاني

أبيت الليل مرتقـبـاً أنـاجـي

 

بصـدق الـوجـد كـاذبة ذ

فتشهد لي على الأرق الثـريا

 

ويعلم ما أجـن الـفـرقـدان

إذا دنت الخـيام بـه فـأهـلاً

 

بذاك الخيم والخيم الـدوانـي

فبين سجوفهـا أقـمـار تـمٍ

 

وبين عمادها أغصـان بـان

ومذهبة الخدود بـجـلـنـارٍ

 

مفضضة الثغور بأقـحـوان

سقانـا الـلـه مـن رياك ريا

 

وحيانا بأوجهـك الـحـسـان

 

ستصرف طاعتي عمن نهاني

 

دموع فيك تلحى من لحاني

ولم أجهل نصيحته ولـكـن

 

جنون الحب أحلى في جناني

فيا ولع العواذل خل عـنـى

 

ويا كف الغرام خذي عناني

وقال في الورد:

لو رحبت كأس بذي زورةٍ

 

لرحبت بالورد إذ زارها

جاء فخلناها خدوداً بـدت

 

مضرمةً من خجل نارها

وعطر الدنيا فطابت بـه

 

لا عدمت دنياه عطارهـا

وقال:

وروضةٍ بات طل الغيث ينسجها

 

حتى إذا نسجت أضحى يديجهـا

إذا تنفس فيه ريح نرجـسـهـا

 

ناغى جنى خزاماها بنفسجـهـا

أقول فيها لسـاقـينـا وفـي يده

 

كأس كشعلة نارٍ إذ يؤججـهـا

لا تمزجنها بغير الريق منك وإن

 

تبخل بذاك فدمعي سوف يمزجها

أقل ما بي من حـبـيك أن يدي

 

إذا دنت من فؤادي كان ينضجها