باب السين - سليمان بن موسى

سليمان بن موسى

برهان الدين أبو الفضل بن شرف الدين المعروف بالشريف الكحال، المصري، كان أديباً فاضلاً بارعاً في العربية وفنون الأدب، عارفاً بصناعة الكحل، خدم بها الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، وتقدم عنده وحظي لديه ونال عنده منزلةً عاليةً وقبولاً تاماً. وكان بينه وبين القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليٍ البيساني وبين شرف الدين محمد بن نصرٍ المعروف بابن عنين الشاعر المشهور صحبة ومودة ومزاح ومداعبة، فأهدى الشريف الكحال إلى ابن عنين خروفاً وكان مهزولاً، فكتب إليه ابن عنين يداعبه:

أبو الفضل وابن الفضل أنت وأهله

 

فغير عجيب أن يكون لك الفضـل

آتتنـي أياديك الـتـي لا أعـدهـا

 

لكثرتها لا كفر نعمى ولا جـهـل

ولكنني أنبيك عـنـهـا بـطـرفةٍ

 

تروقك ما وافى لها قبلها مـثـل

أتاني خروف ما شكـكـت بـأنـه

 

حليف هوىً قد شفه الهجر والعذل

إذا قام في شمس الظهيرة خلـتـه

 

خيالاً سرى في ظلمةٍ ما له ظـل

فناشدته ما تشتـهـى؟ قـال فـتة

 

وقاسمته ما شفه؟ قال لي الأكـل

فأحضرتها خضراء مجاجة الثـرى

 

مسلمةً ما حص أوراقها الفـتـل

فظل يراعيها بـعـينٍ ضـعـيفةٍ

 

وينشدها والدمع في العين منهـل

أنت وحياض الموت بيني وبينـهـا

 

وجادت بوصلٍ حين لا ينفع الوصل

وكتب إليه القاضي الفاضل يداعبه وكان قد كحله:

رجل توكل بي وكحلـنـى

 

فدهيت في عيني وفي عيني

وخشيت تنقل نقط كحلـتـه

 

عيني من عينٍ إلـى غـين

ومن شعر الشريف الكحال:

ومذ رمدت أجفانه لا منى العدا

 

على حبه يا ليت عيني لها رقداً

فقلت لهم كـفـوا فـإن لـحـاظـه

 

سيوف وشرط السيف أن يحمل الصدا

وقال:

كأن لحظ حبيبي في تنـاعـسـه

 

وقد رماني بسقمٍ في الهوى وكمد

من المجوس تراه كلما قـدحـت

 

نيران وجنته أومي لها وسـجـد

توفي الشريف الكحال سنة تسعين وخمسمائةٍ.