ابن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر أبو محمد ابن الخشاب. قال القاضي الأكرم أيضاً: كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتى يقال: إنه كان في درجة أبي عليٍ الفارسي. وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والنطق والفلسفة والحساب والهندسة، وما من علم من العلوم إلا وكانت له فيه يد حسنة. وقرأ الأدب على أبي منصورٍ موهوبٍ الجواليقي وغيره، والحساب والهندسة على أبي بكر بن عبد الباقي الأنصاري، والفرائض على أبي بكرٍ المرزوقي، وسمع الحديث من أبي الغنائم النرسي وأبي القاسم بن الحصين وأبي العز ابن كادش وجماعةٍ، ولم يزل يقرأ حتى علا على أقرانه، وقرأ العالي والنازل، وكان يكتب خطاً مليحاً، وجمع كتباً كثيرة جداً، وقرأ عليه الناس وانتفعوا به وتخرج به جماعة، وروى كثيراً من الحديث. سمع منه الحافظ أبو سعد السمعاني وأبو أحمد بن سكينة وأبو محمد بن الأخضر وكان ثقة في الحديث صدوقاً نبيلاً حجة إلا أنه لم يكن في دينه بذاك، وكان بخيلاً متبذلاً في ملبسه وعيشه قليل المبالاة يحفظ ناموس العلم، يلعب بالشطرنج مع العوام على قارعة الطريق، ويقف في الشوارع على حلق المشعبذين واللاعبين بالقرود والدباب، كثير المزاح واللعب طيب الأخلاق، سأله شخص وعنده جماعة من الحنابلة: أعندك كتاب الجبال؟ فقال له: يا أبله أما تراهم حولي، وسأله آخر عن القفا يمد أو يقصر؟ فقال له: يمد ثم يقصر. وقرأ عليه بعض المعلمين قول العجاج:
أطرباً وأنت قنسـرى |
|
وإنا يأتي الصبا الصبي |
فقال: وإنما يأتي الصبي الصبي، فقال له ابن الخشاب هذا عندك في المكتب، وأما عندنا فلا، فخجل المعلم وقام. وكان يتعمم بالعمامة فتبقى مدةً على حالها حتى تسود مما يلي رأسه وتتقطع من الوسخ. وترمى عليها الطيور ذرقها. ولم يتزوج قط ولا تسرى، وكان إذا حضر سوق الكتب وأراد شراء كتاب غافل الناس وقطع منه ورقةً وقال: إنه مقطوع ليأخذه بثمن بخسٍ، وإذا استعار من أحدٍ كتاباً وطالبه به قال: دخل بين الكتب فلا أقدر عليه. وصنف شرح الجمل للزجاجي. وشرح اللمع لابن جنيٍ لم يتم. والرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل، والرد على الخطيب التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق: وشرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو. يقال: إنه وصله عليها بألف دينارٍ، والرد على الحريري في مقاماته: توفي عشية يوم الجمعة ثالث رمضان سنة سبعٍ وستين وخمسمائة، ووقف كتبه على أهل العلم. ورأى بعد موته بمدة في النوم على هيئةٍ حسنةٍ فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: ودخلت الجنة؟ قال: نعم إلا أن الله أعرض عنى. قيل: أعرض عنك؟ قال: نعم وعن كثير من العلاء ممن لا يعمل بعلمه. ومن شعره:
لذ خمولـي وحـلا مـره |
|
إذ ضانني عن كل مخلوق |
نفسي معشوقي ولى غيرة |
|
تمتعني من بذل معشوقي |
وقال ملغزاً في كتابٍ:
وذي أوجهٍ لكنـه غـير بـائحٍ |
|
بسرٍ وذو الوجهين للسر مظهر |
تناجيك بالأسرار أسرار وجهه |
|
فتفهمها ما دمت بالعين تنظـر |
وله في شمعةٍ:
صفراء لا من سقم مسها |
|
كيف وكانت أمها الشافيه |
عريانة باطنها مكـتـس |
|
فاعجب لها كاسيةً عاريه |
وقال:
إذا عن أمر فاستشر فيه صـاحـبـاً |
|
وإن كنت ذا رأىٍ يشير على الصحب |
فإني رأيت العين تجهل نـفـسـهـا |
|
وتدرك ما قد حل في موضع الشهب |