أبو القاسم النحوي العروضي المعتزلي. ذكره ابن المقدر في المعتزلة من أهل الموصل. قدم بغداد وقرأ على شيوخها، فأخذ علم الأدب عن أبي عليٍ الفارسي وأبي سعيد السيرافي وغيرهما، وكان ذكياً حاذقاً جيد الخط صحيح الضبط صنف كتباً ومات فيما ذكره هلال بن المحسن في يوم الثلاثاء لأربعٍ بقين من رجبٍ سنة سبعٍ وثمانين وثلاثمائةٍ، وكان يقول الشعر فوجدت له في بعض الكتب:
قطعت من السنين مدىً طـويلاً |
|
ولم تعرف عدوك من صديقـك |
فسرت على الغرور ولست تدرى |
|
أماء أم سراب في طـريقـك؟ |
قرأت في كتاب الموضح في العروض من تصنيف ابن جروٍ أخباراً أوردها عن نفسه فيه ومناظراتٍ جرت له مع الشيوخ في العروض منها: قرأت على شيخنا أبي سعيدٍ - رحمه الله - كتاب الوقف والابتداء عن القراء روايته عن أبي بكر بن مجاهد عن ابن الجهم عنه، فمضى فيه بيت أنشده القراء:
بأبي امرؤ والشام بيني وبينه |
|
أتتني ببشرى برده ورسائله |
فقلت: هذا البيت لا يستقيم، فقال أبو سعيد: كذا أنشده ابن مجاهدٍ عن القراء وهو كما قال: أنشدناه غيره من شيوخنا عن أبي بكر وعن ابن بكيرٍ عن ابن الجه و عن ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى عن سلمة عن القراء هكذا.
فقال أبو سعيد: ما عندك فيه؟ فقلت: رأيت هذا البيت بخط أبي سهلٍ النحوي في هذا الكتاب بأبوي امرؤ وقال: رد الأب إلى أصله، لأنه في الأصل عند الكوفيين أبوعلي فعلٍ مثل نحوٍ وغزوٍ، فقال له أبو سعيد: لا ينبغي أن تلتفت إلى هذا، لأن الرواة والنافلين أجمعوا على أنه مكتوب بأبي، وكذلك لفظوا به، ولكن إصلاحه أن يكون بأبي امرؤ، فيكون بأبي، فعولن وسكن كسرة الباء من أبي لأنه قدره تقدير فخذ، وهذا لعمري تشبيه حسن لأنهم قد أجروا هذا في المنفصل مجرى المتصل فقالوا: اشتر لنا. جعل ترل بمنزلة فخذٍ، وأشد من هذا قراءة حمزة ومكر السيء ولاً جعل سيئاً بمنزلة فخذٍ ثم اسكن كما يقال: فخذ والحركة في السيء حركة إعرابٍ، ففي هذا ضربان من التجوز: جعله المنفصل بمنزلة المتصل، وتشبيهه حركة الإعراب بحركة البناء. وله من التصانيف: كتاب الموضح في العروض: جود في تصنيفه، وكتاب المفصح في القوافي، وكتاب الأمد في علوم القرآن لا أدري هل تم أم لا؟ لأنه قال في كتاب الموضح في العروض: وقد شرعنا في كتاب الأمد في علوم القرآن ثم وجدت في فوائد نقلت عن أبي القاسم المغربي أن كتابه في تفسير القرآن لم يتم، وأنه ذكر في "بسم الله الرحمن الرحيم" مائةً وعشرين وجهاً. قال: ومات قبل الأربعمائة. ذكر الشيخ أبو محمد بن الخشاب في بعض كتبه في معرض كلامٍ: وحكى بعض الأشياخ من أهل صناعة النحو أن عضد الدولة الديلمي التمس من أبي عليٍ الفارسي إماماً صلى به واقترح عليه أن يكون جامعاً إلى العلم بالقراءة العلم بالعربية، فقال: ما أعرف من قد اجتمعت فيه مطلوبات الملك إلا ابن جرو أحد أصحاب أبي عليٍ، وهو أبو القاسم عبيد الله بن جروٍ الأسدي، فقال: ابعثه إلينا، فجاء به وصلى بعضد الدولة. فلما كان الغد وأتى أبو عليٍ وسألك الملك عنه فقال: هو كما وصفت إلا أنه لا يقيم الراء أي يجعلها غيناً كعادة.
البغداديين في الأغلب، فقال البغداديين في الأغلب، فقال أبو علي لابن جروٍ ورآه كما قال عضد الدولة: لم لا تقيم الراء؟ فقال: هي عادة للساني لا أستطيع تغييرها، فقال له أبو عليٍ: ضع ذبابة القلم تحت لسانك لترفعه به وأكثر مع ذلك ترديد اللفظ بالراء، ففعل واستقام له إخراج الراء من مخرجها.
قال: هذا معنى الحكاية التي حكيت لي في هذا. فقلت للشيخ الحاكي لي - رحمه الله - وأنا إذ ذاك حدث: ما أحسن ما تلطف أبو عليٍ في طبه هذا، فما الذي دله على هذه المعالجة؟ ومن أين استنبط هذه المداواة؟ وكيف احتال لهذا البرء؟ فقال: هذا الذي حكى لنا فما عندك فيه، فأجبت بما استحسنه الشيخ وحاضروه فقلت: لا شبهة بأن الغين حرف حلقي لا عمل للسان فيه، والراء حرف من حروف اللسان وله فيه عملن فمن نطق بالغين مكان الراء لم يكن للسان فيه عمل بل هو قار في فجوته، والحرف الحلقي منطوق به مع سكون اللسان واستقراره، فإذا رفعه بطرف القلم أو غيره مما يقوم مقامه في رفعه ولفظ بالحرف جعل له عملاً في الحرف، فبطل أن يكون حلقياً أي غيناً، لأن حروف الحلق لا عمل للسان فيها، وإذا بطل أن يكون غيناً كان راءً وهو الحرف الذي تلفظ بالغين بدلاً منه، فافهمه وداوبه ما جرى هذا المجرى من الحروف، فلو كان واصل بن عطاء الغزال حاذقاً حذق أبي عليٍ - رحمه الله - فداوى رأرأته ولتغته بهذا الدواء لأراحه من تكلفه إخراج الراء من كلامه حتى شاع عنه من إبدال بعض الكلم ما شاع. قال: وقد حكى أن الزجاج أبا إسحاق كان بهذه الصفة أعنى رأراء وذلك فيما قرأته بخط ابن برهانٍ النحوي.