باب العين - عبيد الله أبو بكر الخياط الأصبهاني

عبيد الله أبو بكر الخياط الأصبهاني

ذكره حمزة فقال. هو واحد زمانه في علم النحو ورواية الشعر، أتقن كتاب سيبويه صغيراً، ثم كتاب مسائل الأخفش، ثم كتاب حدود الفراء، وهو في الأخبار والأيام وسائر الآداب متقدم على كل من تفرد بفن منها، وله كتابان في النحو أحدهما بسيط والآخر لطيف لم يصنف مثلهما في الزمان، ولما مات أبو بكرٍ الخياط وثته الشعراء، فمن ذلك قول أبي مسلم بن حجا الكوفاني:

سآتي باكياً شط الـفـرات

 

لعيني أستمد مدى حياتـي

فأبكي ثم أبكي ثم أبـكـي

 

على من قد توسد جندلات

على قمر الزمان وزين علمٍ

 

عبيد الله كنز الـفـائدات

وله يرثيه:

ودعت بعـد أبـي بـكـرٍ ودنـياه

 

ديوان شعرٍ ونحواً ملـك يمـنـاه

طوى الثرى معه كل العلـوم فـلا

 

نشر يرجى له من بعـد مـثـواه

من لي بمثل عبيد الـلـه يوم ثـوى

 

رهن الحمام وهل في الناس شرواه

ومن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن: حدثني أبو سريٍ الأصبهاني ابن أخت أبي بكر الخياط الأصبهاني قال: كان أبو بكر خالي يحفظ دواوين العرب، ويقوم عليها قياماً تاماً، ويتصرف في كتاب سيبويه ومسائل الأخفش تصرفاً قوياً، فحدثني أن أبا الفضل بن العميد كان يقرأ عليه كتاب الطبائع لأبي عثمان الجاحظ، فانفق أن كان في بعض الأيام عنده وقد نزع نعله فأخذه كلب زئنى في الدار وأبعده عن موضعه وأراد أبو بكرٍ الطهارة، فقام ولم يره، وطلبه فلم يجده، فتقدم أبو الفضل أن يقدم إليه نعل نفسه فاستسرف ذلك من فعله استسرافاً بلغه فقال: ألام على تعظيم رجل ما قرأت عليه شيئاً من الطبائع إلا عرف ديوان قائله وقرأ القصيدة من أولها حتى ينتهي إليه؟ ولقد كنت وغيري نتهم أبا عثمان الجاحظ فيما يستشهد به من غريب الشعر حتى دلنا على مواضعه، وأنشد القصيدة حتى انتزع منها فمن حفظه، أفما يستحق من هذه الصفة صفته هذه الكرامة اليسيرة في جنب هذه الفضيلة الكبيرة؟ وذكر ابن العميد يوماً أبا بكر الخياط النحوي فقال: أفادني في نقد الشعر ما لم يكن عندي، وذاك أنه جاءني يوماً باختياراتٍ له فكنت أرى المقطوعة بعد المقطوعة لا ندخل في مرتضى الشعر، فأعجب من إيراده لها واختياره إياها، فسألته عنها فقال: لم يقل في معناها غيرها فاخترتها لانفرادها في بابها.