باب العين - عبيد بن سرية، ابن سارية

عبيد بن سرية، ابن سارية

ويقال ابن سارية، ويقال ابن شرية الجرهمي ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال: وفد على معاوية وقيل: إنه لم يفد عليه، وأنه لقيه بالحيرة لما توجه معاوية إلى العراق، ثم حدث بإسناد رفعه إلى أبي حاتمٍ السجستاني قال: وعاش عبيد بن سارية الجرهمي ثلاثمائة سنةٍ، وقال بعضهم: مائتين وعشرين سنة إلا أننا نظن أنه عاشها في الجاهلية وأدرك الإسلام فأسلم، وقدم على معاوية بن أبي سفيان فبلغنا أن معاوية قال له: كم أتى عليك؟ قال: مائتان وعشرون سنة، قال: ومن أين علمت ذاك؟ قال: من كتاب الله، قال ومن أي كتاب الله؟ قال: من قول سبحانه: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب). فقال له معاوية: وما أدركت؟ قال أدركت يوماً في إثر يومٍ، وليلةً في إثر ليلةٍ متشابهاً كتشابه الحذف يحدوان بقوم في ديار قومٍ، يكدحون فيما يبيد عنهم، ولا يعتبرون بما بمضى منهم، حيهم يتلف ومولودهم يخلف، في دهرٍ يصرف، أيامه تقلب بأهلها كتقلبها بدهرها، بينا أخوها في الرخاء إذ صار في البلاء، وبينا هو في الزيادة إذ أدركه النقصان وبينا هو حر إذ أصبح قناً لا يدوم على حالٍ، بين مسرورٍ بمولودٍ، ومحزونٍ بمفقودٍ، فلولا أن الحي يتلف لم يسعهم بلد، ولولا أن المولود يخلف لم يبق أحد. قال معاوية: أخبرني عن المال أيه أحسن في عينيك؟ قال: أحسن المال في عيني وأنفعه غناء وأقله عناء، وأجداده على العامة عين خرارة في أرضٍ خوارةٍ إذا استودعت أدت، وإذا استحليتها درت وأفعمت، تعول ولا تعال. قال معاوية: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها فرس تتبعها فرس، قد ارتبطت منها فرساً: قال معاوية: وأي النعم أحب إليك؟ قال: النعم لغيرك يا أمير المؤمنين. قال لمن؟ قال: لمن فلاها بيده وباشرها بنفسه، قال معاوية: حدثني عن الذهب والفضة، قال: حجران إن أخرجتها نفدا، وإن خزنهما لم يزيدا. قال معاوية: فأخبرني عن قيامك وقعودك، وأكلك وشربك، ونومك وشهوتك للباه. قال: أما قيامي: فإن قمت فالسماء تبعد، وإن قعدت فالأرض تقرب، وأما أكلي وشربي: فإن جعت كلبت، وإن شبعت بهرت، وأما نومي: فإن حضرت مجلساً حالفني، وإن خلوت أطلبه فارقني، وأنا الباه: فإن بذل لي عجزت، وإن منعته غضبت، قال معاوية: فأخبرني عن أعجب شيء رأيته. قال: إني نزلت بحيٍ من قضاعة، فخرجوا بجنازة رجلٍ من عذرة يقال له حريث بن جبلة، فخرجت معهم حتى إذا واروه انتبذت جانباً عن القوم وعيناي تدمعان، ثم تمثلت بأبيات شعر كنت رويتها قبل ذلك:

يا قلب إنك من أسـمـاء مـغـرور

 

فاذكر وهل ينفعنك اليوم تـذكـير؟

قد بحت بالحب ما نخفيه مـن أحـدٍ

 

حتى جرت بك أطلاقاً محـاضـير

تبغي أموراً فما تدري أعالـجـهـا

 

خير لنفسك أم ما فـيه تـأخـير؟؟

فاستقدر اللـه خـيراً وارضـين بـه

 

فبينما العسـر إذ دارت مـياسـير

وبينما المرء في الأخياء مغتـبـطـاً

 

إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

حتى كـان لـم يكـن إلا تـدكـره

 

والدهـر أيتـمـا حـالٍ دهـارير

يبكي الغريب عليه لـيس يعـرفـه

 

وذو قرابته في الحـي مـسـرور

وذاك آخر عـهـدٍ مـن أخـيك إذا

 

ما المرء ضمنه اللحد الخـنـاشـير

الواحد خنشير، والجمع الخناشير، ويقال: الخناشرة وهم الذين يتبعون الجنازة. فقال رجل إلى جانبي يسمع ما أقول: يا عبد الله من قائل هذه الأبيات؟ قلت: والذي أحلف به ما أدرى، إلا أني قد رويتها منذ زمان. قال: قائلها الذي دفناه آنفاً، وإن هذا ذا قرابته أسر الناس بموته، وإنك للغريب الذي وصف تبكي عليه. قال: فعجبت لما ذكر في شعره، والذي صار إليه من قوله كأنه كان ينظر إلى موضع قبره. فقلت: إن البلاء موكل بالمنطق. قال المؤلف: وذكر محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست فقال: عبيد بن شرية الجرهمي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً، ووفد على معاوية بن أبي سفيان فسأله عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد، وكان استحضره من صنعاء اليمن، فأجابه بما أمر به معاوية أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية، ثم عاش عبيد إلى أيام عبد الملك ابن مروان. وله من الكتب: كتاب الأمثال، كتاب الملوك وأخبار الماضين. وقال غير النديم: كان عبيد بن شرية يروى عن الكيس النمري وابنه يزيد بن الكيس، وعن الكسير الجرهي وعبد ودٍ الجرهمي.