باب العين - أبو علقمة النحوي النميري

أبو علقمة النحوي النميري

وأراه من أهل واسط، حدث أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال: أتى أبو علقمة الأعرابي أبا زلازل الحذاء فقال: يا حذاء أحذأ لي هذا النعل، قال: وكيف تريد أن أحذوها؟ فقال: خصر نطقها، وغضف معقبها، وأقب مقدمها وعرج ونية الذؤابة بحزمٍ دون بلوغ الرصاف، وأنحل مخازم خزامها وأوشك في العمل. فقام أبو زلازل فتأبط متاعه، فقال أبو علقمة: إلى أين؟ قال: إلى ابن القية ليفسر لي ما خفي علي من كلامك. وقال أبو أحمد بن خليفة الجمحي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: قال أبو علقمة لغلام له: خذ من غريمنا هذا كفيلاً، ومن الكفيل أميناً، ومن الأمين زعيماً، ومن الزعيم عزيماً، فقال الغلام للغريم: مولاي كثير الكلام فمعك شيء؟ فأرضاه وخلاه فلما انصرف قال يا غلام: ما فعل غريمنا؟ قال: سقع قال ويلك ما بقع؟ قال بقع. قال ويلك وما يقع؟ قال استقلع: قال ويلك ما استقلع؟ قال انقلع، قال ويلك لم طولت علي؟ قال منك تعلمت. الهيثم بن عدي. ركب أبو علقمة النميري بغلاً فوقف على أبي عبد الرحمن القرشي فقال: يا أبا علقمة إن لبغلك هذا منظراً، فهل مع حسن هذا المنظر من خيرٍ؟ قال سبحان الله أو ما بلغك خيره؟ قال لا، قال: خرجت عليه مرةً من مصر فقفز بي قفزةً إلى فلسطين. والثانية إلى الأردن. والثالثة إلى دمشق. فقال له أبو عبد الرحمن: تقدم إلى أهلك يدفنوه معك في قبرك، فلعله يقفز بك الصراط.

ذكر أبو بكرٍ محمد بن خلف بن المرزبان في كتاب الثقلاء من تصنيفه: أخبرنا إسحاق بن محمد ابن أبان الكوفي، حدثني بشر بن حجرٍ قال: انقطع إلى أبي علقمة النحوي غلام يخدمه، فأراد أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه فقال له: يا غلام أصقعت العتاريف؟ فقال له الغلام: زقفيلم، قال أبو علقمة: وما زقفيلم؟ قال له وما معنى صقعت العتاريف؟ قال: قلت لك أصاحت الديوك؟ قال: وأنا قلت لك لم يصح منها شئ.

قال محمد بن خلفٍ: حدثنا أبو بكرٍ القرشى، حدثني جعفر بن نصيرٍ قال: بينما أبو علقمة النحوي في طريقٍ من طرق البصرة إذ ثار به مرار. وظن من رآه أنه مجنون، واقبل رجل يعض أصل أذنه ويؤذن فيها، فأفاق فنظر إلى الجماعة حوله فقال: ما لكم تكأكأتم على كما تتكأكئون على ذي جنة، افرنقعوا عني. قال: فقال بعضهم لبعض: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندية.

قال ابن المرزبان: حدثني عبد الله بن مسلم: دخل أبو علقمة النحوي على أعين الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجوازل فطسأة طسأةً، فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب وألمت له الشراسيف فهل عندك دواء؟ قال أعين: خذ حرقفاً وسلقفاً وشرقفاً مزهزقه ورقرقه واغسله بماء روثٍ واشربه بماء الماء. فقال له أعين: لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه، ويحك، وهل فهمت عنك شيئاً مما قلت؟ قرأت في كتاب النوادر الممتعة جمع ابن جنيٍ عن محمد ابن المرزبان قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن عبد الصمد قال: حدثني محمد بن معاذٍ البصري قال: بينا أبو علقمة النحوي يسير على بغلةٍ إذ نظر إلى عبدين أحدهما حبشي والآخر صقلي، فإذا الحبشي قد ضرب بالصقلي الأرض وأدخل ركبتيه في بطنه، وأصابعه في عينيه، وعض أذنيه، وضربه بعصاً كانت معه فشجه وأسال دمه، فجعل الصقلي يستغيث فلا يغاث، فقال لأبي علقمة: اشهد لي فقال: قدمه إلى الأمير حتى أشهد لك، فمضيا إلى الأمير فقال الصقلي: إذن هذا ضربني وشجني واعتدى علي فجحد الحبشي. فقال الصقلي: هذا يشهد لي، فنزل أبو علقمة عن بغلته وجلس بين يدي الأمير فقال له الأمير: بم تشهد يا أبا علقمة؟ فقال: أصلح الله الأمير، بينا أنا أسير على كودني هذا إذ مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الاسحم قد مال علي هذا الأبقع فمطأه على فدفدٍ، ثم ضغطه برضفتيه في أحشائه حتى ظننت أنه تدمج جوفه، وجعل يلج بشناتره في جحمتيه يكاد يفقأهما، وقبض على صنارتيه بمبرمه، وكان يجذهما جذاً ثم علاه بمنسأةٍ كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بيننا وأنت أمير عادل، فقال الأمير: والله ما أفهم مما قلت شيئاً، فقال أبو علقمة قد فهمناك إن فهمت، وعلمناك إن علمت، وأديت إليك ما علمت، وما أقدر أن أتكلم بالفارسية، فجعل الأمير يجهد أن يكشف الكلام فلا يفعل حتى ضاق صدره، فقال للصقلي: أعطني خنجراً فأعطاه وهو يظن أنه يريد أن يستفيد له من الحبشي، فكشف الأمير رأسه وقال للصقلي: شجني خمساً وأعفني من شهادة هذا. الصنارتان: الأذنان بلغة سميرٍ. الكودن: الغليظ من الدواب، مطأه: صرعه، والفدفد: الغليظ من الأرض، ورضفتاه: ركبتاه، وشناتره، أصابعه، والجحمتان: العينان لغة يمانية، والمنسأة: العصا، عجفه أي ضربه بها، والجريال الأحمر: فاستعارة للدم. قال ابن جنىٍ: وأخبرنا عثمان بن محمدٍ، حدثنا محمد ابن القاسم قال: حدثني محمد بن المرزبان وأبو الحسين علي بن محمدٍ المقرئ قال: تبيغ بأبي علقمة الدم وهو في بعض القرى فقال لابنه: جئني بحجامٍ فأتاه به فقال له: لا تعجل حتى أصف لك، ولا تكن كامرئ خالف ما أمر به ومال إلى غيره. اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبة المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك زخزاً، ورصك نهزاً، لا تردن أتياً، ولا تكرهن أبياً. فوضع الحجام محاجمه في قفته وقال: كلامك يقطع الدم، وقام وانصرف.

وفي رواية علي بن إبراهيم قال: فلما سمع الحجام الكلام قال يا قوم: هذا رجل قد ثار به المرار ولا ينبغي أن يخرج دمه في هذا الوقت وانصرف.

قال أبو بكر: العصب: الموضع الذي يجتمع فيه الدم، وتبيغ: هاج، وهو من البغي، أصله تبغي فقدمت الياء وأخرت الغين، كان أبو علقمة النحوي لا يدع الإغراب في كلامه، فقال للطبيب: أجد رسيساً في أسناخي، وأحس وجعاً فيما بين الوابلة إلى الأطرة من دأيات العنق، فقال له الطبيب: خذ خزاناً وسلقفاً وشرقفاً، فزهزقه ورقرقه، واغسله بماء روث واشربه، فقال له أبو علقمة: أعد فإني لم أفهم فقال: أخزى الله أقلنا إفهماماً لصاحبه، وجمش امرأة كان يهواها فقال: يا خريدة قد كنت إخالك عروباً فإذا أنت ثوار مالي أمقك فتسنتيني فقالت يا رقيع ما رأيت أحداً يحب أحداً فيشتمه سواك، وقال لحجامٍ حجمه اشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأمر المسح، واستنجل الرشح، وخفف الوطء، وعجل النزع، ولا تكرهن أبياً، ولا تمنعن أتياً، ورأى رجل أبا علقمة على بغلٍ مصريٍ حسنٍ فقال له: إن كان مخبر هذا البغل كمن ظهره فقد كمل، فقال أبو علقمة: والله لقد خرجت عليه من مصر فتنكبت الطريق مخافة السراق وجور السلطان، فبينا أنا أسر في ليلةٍ ظلماء فتماء طخياء مدلهمةٍ حندسٍ داجيةٍ في ضحضحٍ أملس، وإذا جلس نبأةٍ من صوت قعرٍ، أو طيروان صوعٍ، أو نفض سيدٍ، فحاص عن الطريق متنكباً بعزة نفسه وفضل قوته، فبعثته باللجام فعسل، وحركته بالركاب فنسل، وانتعل الطريق يغتاله معتزماً، والتحف الليل لا يهابه مظلماً، فو الله ما شبهته إلا بظبيةٍ نافرةٍ تحفزها فنخاء شاغبة فقال الرجل، يا هذا، ادع الله واسأله أن يحشر هذا البغل معك يوم القيامة، قال ولم؟ قال: ليجيزك الصراط يطفر.