باب العين - علي بن أحمد بن سعيد بن حزن بن غالب

علي بن أحمد بن سعيد بن حزن بن غالب

ابن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمسٍ القرشي الأندلسي الامام العلامة لكني أبا محمدٍ، مات فيما ذكره صاعد بن أحمد الجياني في كتاب أخبار الحكماء في سلخ شعبان سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، قال: وكتب إلي بخط يده: إنه ولد بعد صلاة الصبح من آخر يوم في شهر رمضان سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة إلا شهراً، قال: وأصل آبائه من قرية منت ليشم من إقليم الزاوية من عمل أونبة من كورة ليلة من غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا فهيا جاهاً عريضاً، وكان أبو عمروٍ أحمد بن سعيد بن حزم أحد العلماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامرٍ ووزراء ابن المظفر بعده والمدبرين لدولتيهما، وكان ابنه الفقيه أبو محمد وزيراً لعبد الرحمن المستظهر بالله، ابن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثم لهشام المعتد بالله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن، فعنى بعلم المنطق وألف فيه كتاباً سماه كتاب التقريب لحدود المنطق بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف، واستعمل فيه مثلاً فقيهةً وجوامع شرعيةً، وخالف أرسطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط، وأوغل بعد هذا في الاستكثار من علوم الشريعة حتى نال منها ما لم ينله أحد قط بالأندلس قبله، وصنف فيها مصنفاتٍ كثيرة العدد شرعية المقصد، معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهبه الذي ينتحله، وطريقه الذي يسلكه، وهو مذهب داود بن علي بن خلفٍ الأصبهاني ومن قال بقوله من أهل الطاهر ونفاة القياس والتعليل.

قال: ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع: أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شئ ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه، وكان لكل يوم أربع عشرة ورقةً ثم قال: ولأبي محمد بن حزمٍ بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.

ذكر أن ابن حزم اجتمع يوماً مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتابي المنتقي والاستغناء وغيرهما من التواليف، وجرت بينهما مناظرة فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرني فإن أكثر مطالعتي كان على سرج الحراس. قال ابن حزمٍ: وتعذرني أيضاً فإن أكثر مطالعتي كانت على منابر الذهب والفضة، أراد أن الغني أضيع لطلب العلم من الفقر.

قرأت بخط أبي بكر محمد بن طرخان بن يلتكين ابن يحكم قال الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي الأندلسي: توفي الشيخ الإمام أبو محمدٍ علي ابن أحمد بن سعيد بن حزمٍ بقريته وهي من غرب الأندلس على خليج البحر الأعظم في شهر جمادى الأولى من سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائةٍ، والقرية التي له على بعد نصف فرسخ من أونبة يقال لها متلجتم وهي ملكه ومل سلفن من قبله قال: وقال لي أبو محمد بن العربي: إن أبا محمد بن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبة ثم انتقل إلى قرطبة وولى فيها الوزارة ثم ابنه على الإمام أقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستاً وعشرين سنة وقال: إني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات قال:

قال لي الوزير أبو محمد بن العربي: أخرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه يعني الذي رباه بإشارةٍ أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذٍ ستة وعشرين عاماً قال: فقمت وركعت وفهمت إذاً إشارة الأستاذ إلى بذلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركةً للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس، ليس هذا وقت صلاةٍ، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم واسترشدته، فدلني على كتاب الموطإ لمالك بن أنس - رضي الله عنه - فبدأت به عليه قراءةً من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوامٍ، وبدأت بالمناظرة قال: وقال لي الوزير الإمام أبو محمد بن العربي: صحبت الشيخ الإمام أبا محمدٍ على بن حزمٍ سبعة أعوامٍ، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من كتاب الفصل وهو يشتمل على ست مجلداتٍ من الأصل الذي قرأنا منه، فيكون الفائت نحوا لسدس، وقرأنا من كتاب الإيصال أربع مجلداتٍ من كتاب الإمام أبي محمد بن حزمٍ في سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، ولم يفتني من تأليفاته شيء سوى مذكراته من الناقص وما لم أقرأه من كتاب الإيصال. وكان عند الإمام أبي محمد بن حزمٍ كتاب الإيصال في أربع وعشرين مجلداً بخط يده، وكان في غاية الإدماج قال: وقال لي الوزير أبو محمد بن العربي: وربما كان للإمام أبي محمد بن حزمٍ شيء من تواليفه ألفه في غير بلده في المدة التي تجول فيها بشرق الأندلس فلم أسمعه، ولي بجميع مصنفاته ومسموعاته إجازة منه مراتٍ عدةً كثيرةً. آخر ما كان بخط اليجمكي - رحمه الله - وأورد له صاحب المطمح أشعاراً منها:

 

وذي عدلٍ فيمن سباني حسـنـه

 

يطيل ملامي في الهوى ويقول

أمن حسن وجه لاح لم تر غيره

 

ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل؟؟

فقلت له أسرفت في اللوم فاتـئد

 

فعندي رد لـو أشـاء طـويل

ألم ترى أني ظاهري وأنـنـي

 

على ما بدا حتـى يقـوم دلـيل

وأنشد له:

هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركـنـا

 

فجائعه تبقى ولـذاتـه تـفـنـى

إذا أمكنـت فـيه مـسـرة سـاعةٍ

 

تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا

إلى تبعاتٍ في المعـاد ومـوقـفٍ

 

نود لديه أننـا لـم نـكـن كـنـا

حصلنا على هـم وإثـمٍ وحـسـرةٍ

 

وفات الذي كنا نـلـذ بـه سـنـا

حنين لما ولى وشغـل بـمـا أنـى

 

وغم لما يرجى بعـيشـك لأنـهـا

كأن الذي كنـا نـسـر بـكـونـه

 

إذا حققته النفس لفظ بلا معـنـى

وله:

ولى نحو أكناف العـراق صـبـابة

 

ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

فإن ينزل الرحمن رحلي بـينـهـم

 

فحينئذٍ يبدو التـأسـف والـكـرب

هنالك تدرى أن لـلـبـعـد قـصةً

 

وأن كساد العلم آفـتـه الـقـرب

وله:

لا تشمتن حاسدي إن نكبة عرضت

 

فالدهر ليس على حالٍ بمـتـرك

ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميفعةٍ

 

وتارةً قد يرى تاجاً علـى مـلـك

وله:

لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي

 

فروحي عندكم دوماً مـقـيم

ولكن للعيان لطيف معـنـىً

 

له سأل المعاينة الـكـلـيم

ومن شعر أبي محمد بن حزمٍ:

أنا العلق الذي لا عيب فـيه

 

سوى بلدي وأني غير طارى

تقر لي العراق ومن يلـيهـا

 

وأهل الأرض إلا أهل داري

طووا حسداً على أدب وفهـمٍ

 

وعلمٍ ما يشق له غـبـاري

فمهما طار في الآفاق ذكري

 

فما سطع الدخان بغير نـار

قال أبو مروان بن حيان: كان أبو محمدٍ حامل فنونٍ من حديثٍ وفقهٍ وجدلٍ ونسبٍ وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة غير أنه لم يخل فيها من غلطٍ وسقط لجراءته على التسور على الفنون ولا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في شكول المسالك، وخالف أرسطاطا ليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض، ومال أولاً النظر به في الفقه إلى رأي محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - وناضل عن مذهبه، وانحرف عن مذهب سواه حتى وسم به ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله - رحمه الله - وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه، وبذلٍ بأسراره، واستنادٍ على العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريضٍ ولا برقه بتدريجٍ، بل يصك معارضه صك الجندل، وينشقه متلقمه إنشاق الخردل، فنفر عنه القلوب، وتوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فمالوا على بغضه ورد أقواله، فأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عنا الدنو إليه والأخذ عنه، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منطقع أثره بتربة بلده من بادية ليلة، وبها توفي - رحمه الله - سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، وهو في ذلك غير مرتدعٍ: ولا راجعٍ إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم ويفقههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون من العلم وقر بعيرٍ، لم تعد أكثرها عتبة باديته لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانيةً لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرةً في نشرها، وجدالاً للمعاندة فيها، إلى أن مضى لسبيله، وأكثر معايبه - زعموا - عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أوص من إتقانه، ومخلفه عن ذلك على قوة شيخه عمارة، وعلى ذلك كله فلم يكن بالسلم من اضطراب رايه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يحرك بالسؤال: فيتفجر منه بحر علمٍ لا تكدره الدلاء، ولا يقصر عنه الرشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل مائلة، وأخبار مأثورة، وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عن سواهم من قريش حتى نسب إلى التعصب لغيهم. وقد كان من غرائبه انتماؤه في فارس واتباع أهل بيته له في ذلك بعد حقبةٍ من الدهر تولى فيها أبوه الوزير المعقل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم لبني أمية أولياء نعمه، لا عن صحة ولايةٍ لهم عليه، فقد عهده الناس حامل الأبوة. مولد الأرومة من عجم ليلة، جده الأدنى حديث الإسلام، ولم يتقدم لسلفه نباهة، فأبوه أحمد - على الحقيقة - هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر براس رابيةٍ، وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة والرأي، فاغتدى جرثومة سلفٍ لمن نماهم أغنتهم عن الرسوخ في أول السابقة، فما من شرف إلا مسوق عن خارجيةٍ، ولم يكن غلا كلا ولا حي تخطى على هذا رابيةً ليلة، فارتقى قلعةً إصطخر من أرض فارس، فالله أعلم كيف ترقاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالةٍ، بل وصله بها وسع علمٍ وشجته رحم معقومة، بلها بمستأخر الصلة رحمه الله، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصفته، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة عز وجهه. ولهذا الشيخ أبي محمدٍ مع يهود لعنهم الله ومع غيرهم من أولى المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام مجالس محفوظة، وأخبار مكتوبة، وله مصنفات في ذلك معروفة، من أشهرا في علم الجدل كتابه المسمى كتاب الفصل بين أهل الآراء والنحل، كتاب الصادع والرد على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على من قال بالتقليد، وله كتاب في شرح حديث الموطاٍ والكلام على مسائله، وله كتاب لجامع في صحيحالحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث، وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف، وكتاب الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها، وكتاب أخلاق النفس، وكتابه الكبير المعروف بالإيصال إلى فهم كتاب الخصال، وكتاب كشف الإلباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس، إلى تواليف غيرها ورسائل في معانٍ شتى كثيرٍ عددها.
ومن شعره يصف ما أحرق له من كتبه ابن عباد قوله:
 

وإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي

 

تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلـت ركـائبـي

 

وينزل إن أنزل ويدفن في قـبـري

دعوني مـن إحـراق رقٍ وكـاغـدٍ

 

وقولوا بعلمٍ كي يرى الناس من يدري

وإلا فعودوا في الـمـكـاتـب بـدأةً

 

فكم دون ما تبغون لله مـن سـتـر

وله:

كأنك بالزوار لـي قـد تـبـادروا

 

وقيل لهم أودى على بن أحـمـد

فيا رب محزونٍ هناك وضـاحـكٍ

 

وكم أدمعٍ تـذرى وخـدٍ مـخـدد

عفا الله عني يوم أرحل ظـاعـنـاً

 

عن الأهل محمولاً إلى ضيق ملحد

وأترك ما قد كنت معتبـطـاً بـه

 

والقى الذي آنست منه بمـرصـد

فوارا حتى إن كان زادي مقـدمـاً

 

ويا نصبي إن كنـت لـم أتـزود

وبالبدائع، هذا الخبر على وعورة ما أوضحنا على كثرة الدافنين لها والطامسين لمحاسنها، وعلى ذلك فليس ببدعٍ فيما أضيع منه، فأزهد الناس في عالمٍ أهله وقبله رزئ العلماء بتزهدهم على من يقصر عنهم، والحسد داء ولا دواء له - آخر كلام ابن حيان - ولأبى محمدٍ قصيدة يخاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشيرٍ يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم يقول فيها:

أنا الشمس في جو السماء مـنـيرةً

 

ولكن عيبي أن مطلعي الـغـرب

ولو أنني من جانب الشرق طـالـع

 

لجد على ما ضاع من ذكرى النهب

ولى نحو أكناف العـراق صـبـابة

 

ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

فإن نزل الرحمن رحـلـي فـيهـم

 

فحينئذٍ يبدو التـأسـف والـكـرب

فكم قائلٍ أغفلتـه وهـو حـاضـر

 

فأطلب ما عنه يجيء به الكـتـب

هنالك تدرى أن للـعـبـد غـصةً

 

وأن كساد العلم آفـتـه الـقـرب

فواعجبا من غاب عنهم تـشـوقـوا

 

له ودنو المرء مـن دارهـم ذنـب

وإن مكاناً ضاق عـنـى لـضـيق

 

على أنه فيح مذاهـبـه سـهـب

وإن رجالاً ضـيعـونـي لـضـيع

 

وإن زماناً لم أنل خصبـه جـدب.

ولكن لي في يوسـفٍ خـير أسـوةٍ

 

وليس على من بالنبي ائتسي ذنـب

يقول مقال الحق والصـدق إنـنـى

 

حفيظ عليم ما على صادقٍ عـتـب

وله مثله:

يقول أخي: شجاك رحيل جسمٍ

 

وروحك ماله عنـا رحـيل

فقلت له: المعاين مطـمـئن

 

لذا طلب المعاينة الخـلـيل

قال الحميدي وأنشدته قول لأبي نواسٍ:

عرضن للذي تحب بحبٍ

 

ثم دعه بروضة إبليس

فقال: أنت في طريق التحقيق فقال:

أبن قول وجه الحق في نفس سامعٍ

 

ودعه فنور الحق يسرى ويشرق

سيؤنسه رفقاً وينـسـى نـفـاره

 

كما نسى القيد الموثق مطـلـق