باب العين - علي بن الحسن الأحمر صاحب الكسائي

علي بن الحسن الأحمر صاحب الكسائي

قال الجعابي: قال محمد بن يحيى الصولي: الأحمر أبو الحسن على بن الحسن مؤدب الأمين لم يصر إلى أحد قط من التأديب ما صار إليه. وقال محمد بن داوود: الأحمر اسمه على بن المبارك، ومات الأحمر فيما ذكره الصولي عن أحمد بن فرج قال: سمعت أبا سعيد الطوال يقول: مات الأحمر قبل الفراء بمدة، قال: أحسبه سنة أربع وتسعين ومائة، ومات الفراء سنة مائتين وأربع.

وحدث المرزباني قال: روى عبد الله بن جعفر عن علي بن مهدي الكسروي، عن ابن قادم صاحب الكسائي قال: كان الأحمر صاحب الكسائي رجلا من الجند من رجال النوبة على باب الرشيد، وكان يحب علم العربية ولا يقدر على مجالس الكسائي إلا في أيام غير نوبته، وكان يرصد مصير الكسائي إلى الرشيد ويعرض له في طريقه كل يوم، فإذا أقبل تلقاه وأخذ بركابه ثم أخذ بيده ومائاه إلى أن يبلغ الستر، وساءله في طريقه عن المسألة بعد المسألة، فإذا دخل الكسائي رجع إلى مكانه، فإذا خرج الكسائي من الدار تلقاه من الستر وأخذ بيده وماشاه يسائله حتى يركب ويجاوز المضارب ثم ينصرف إلى الباب، فلم يزل كذلك يتعلم المسألة بعد المسألة حتى قوى وتمكن وكان فطناً حريصاً، فلما أصاب الكسائي الوضح في وجهه وبدنه كره الرشيد ملازمته أولاده، فأمر إن يرتاد لهم من ينوب عنه ممن يرتضى به، وقال: إنك كبرت ونحن نحب إن نودعك ولسنا نقطع عنك جاريك، فجعل يدافع بذلك ويتوقى إن يأتيهم برجل فيغلب على موضعه، إلى إن ضيق عليه الأمر وشدد وقيل له: إن لم تأتنا أنت من أصحابك برجل ارتدنا نحن لهم من يصلح، وكان قد بلغه إن سيبوبه يريد الشخوص إلى بغداد والأخفش، فقلق لذلك ثم عزم على إن يدخل إلى أولاد الرشيد من لا يخشى ناحيته ومن ليس ممن اشتد من أصحابه، فقال للأحمر: هل فيك خير؟ قال: نعم، قال: قد عزمت إن أستخلفك على أولاد الرشيد، فقال الأحمر: لعلي لا أفي بما يحتاجون إليه، فقال الكسائي: إنما يحتاجون في كل يوم إلى مسألتين في النحو واثنتين من معاني الشعر وأحرف من اللغة، وأنا ألقنك في كل يوم قبل إن تأتيهم ذلك فتحفظه وتعلمهم، فقال: نعم.

فلما ألحوا عليه قال: قد وجدت من أرضاه، وإنما أخرت ذلك حتى وجدته وأسماه لهم. فقالوا: إنما اخترت لنا رجلاً من رجال النوبة ولم تأت بأحد متقدم في العلم، فقال: ما أعرف أحداً في أصحابي مثله في الفهم والصيانة، ولست أرضى لكم غيره، فأدخل الأحمر إلى الدار وفرش له البيت الذي فيه بفرشٍ حسنٍ، وكان الخلفاء إذا أدخلوا مؤدباً إلى أولادهم فجلس أول يوم أمروا بعد قيامه بحمل كل ما في المجلس إلى منزله مع ما يوصل به ويوهب له.

فلما أراد الأحمر الانصراف إلى منزله دعى له بحمالين فحمل معه ذلك كله مع بز كثير، فقال الأحمر: والله ما يسع بيتي هذا، ومالنا إلا غرفة ضيقة في بعض الخانات ليس فيها من تحفظه غيري، وإنما يصلح مثل هذا لمن له دار وأهل. وكل شيء وما يشاكله، فأمر بشراء دار له وجارية وحمل على دابة ووهب له غلام وأقيم له جار ولمن عنده، فجعل يختلف إلى الكسائي كل عشية ويتلقن ما يحتاج إليه أولاد الرشيد ويغدو عليهم فيلقنهم، وكان الكسائي يأتيهم في الشهر مرة أو مرتين فيعرضون عليه بحضرة الرشيد ما علمهم الأحمر ويرضاه، فلم يزل الأحمر كذلك حتى صار نحويا وجلت حاله، وعرف بالأدب حتى قدم على سائر أصحاب الكسائي، ولم يكن قبل ذلك له ذكر ولا يعرف.

وحدث محمد بن الجهم السمري قال: كنا إذا أتينا الأحمر تلقانا الخدم فندخل قصراً من قصور الملوك فيه من فرش الشتاء في وقته ما لم يكن مثله إلا دار أمير المؤمنين، ويدفع إلينا دفاتر الكاغد والجلود قد صقلت، والمحابر المخروطة والأقلام والسكاكين ويخرج إلينا وعليه ثياب الملوك ينفخ منها رائحة المسك والبخور فيلقانا بوجه منطلق وبشر حسن حتى ننصرف. ونصير إلى الفراء فيخرج إلينا معبساً قد اشتمل بكسائه فيجلس لنا على بابه ونجلس في التراب بين يديه فيكون أحلى في قلوبنا من الأحمر وجميل فعله. وحدث سلمة قال: كان الأحمر قد أملى على الناس شواهد النحو، فأراد الفراء إن يتممها فلم يجتمع له أصحاب الكسائي كما اجتمعوا للأحمر، فقطع ولم يعرض له. قال عبد الله بن جعفر: أخبرنا غير واحد عن سلمة ابن عاصم صاحب الفراء قال: كان بين الفراء والأحمر تباعد وجفاء، فحج الأحمر فمات في طريق مكة فقيل للفراء: إن الأحمر قد نعى إلى أهله فاسترجع وتوجع وترحم عليه وجعل يقول: أما والله لقد علمته صدوقاً سخياً ذكياً عالماً ذا مروءة ومودة - رضي الله عنه - فقيل له: أين هذا مما كنت تقول فيه بالأمس؟ قال: والله ما يمنعني ما كان بيني وبينه إن أقول فيه الحق، وما تعديت فيه قط في قول، ولا تحريت فيه إلا الصدق قبل والآن.
وأنشد إسحاق الموصلي قال: أنشدني الأحمر غلام الكسائي لنفسه:

وفتيان صدق عـوا لـلـنـدى

 

وفاض السرور بأرض الطرب

وهي أربعة أبيات قال: وقرأت له أيضاً أبياتاً يسيرة ضعيفة.
وقال أبو محمد اليزيدي يهجو الكسائي والأحمر:

أفسد النحو الكسـائ

 

ي وثنى ابن غزالـه

وأرى الأحمر تيسـاً

 

فاعلفوا التيس النخالة

قال ثعلب: كان الأحمر يحفظ الأربعين ألف بيت شاهد في النحو سوى ما كان يحفظ من القصائد، وكان مقدما على الفراء في حياة الكسائي، وله من التصانيف: كتاب التصريف، كتاب تفنن البلغاء.