بن علي بن أبي الطيب، الباخرزي السنخي أبو الحسن، - وقال: أبو الحسن البيهقي كنية الباخرزي أبو القاسم وهو الصحيح -. وباخرز من نواحي نيسابور، ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: وهو الذي صنف كتاب دمية القصر في شعراء العصر، قال: وطالعت هذا الكتاب بأصفهان في دار الكتاب التي لتاج الملك بجامعها، وبعثني ذلك على تأليف كتابي هذا، - يعني كتابه الذي نقلت هذا منه، وسماه خريدة القصر في شعراء العصر -. قال: ومات في سنة سبع وستين وأربعمائة. قال: قتل في مجلس إنس بباخرز وذهب دمه هدراً قال: وكان واحد دهره في فنه، وساحر زمانه في قريحته وذهنه، صاحب الشعر البديع، والمعنى الرفيع، وأثنى عليه قال: ولقد رأيت أبناء العصر بأصفهان مشغوفين بشعره، متيمين بسحره، وورد إلى بغداد مع الوزير الكندري، وأقام بالبصرة برهة ثم شرع في الكتابة معه مدة، واختلف إلى ديوان الرسائل وتنقلت به الأحوال في المراتب والمنازل، وله ديوان كبير ومما أورده في دمية القصر لنفسه:
ولقد جذبت إلى عقرب صدغها |
|
فوجدتها جرارة مـجـرورة |
وكشفت ليلة جلوة عن ساقهـا |
|
فرأيتها ممكارةً مـمـكـورةً |
قال: ومما أنشدت من شعره قوله:
زكاة رؤس الناس في عيد فطرهم |
|
يقول رسول الله صاع من البـر |
ورأسك أغلى قيمةً فتـصـدقـي |
|
بفيك علينا فهو صاع مـن الـدر |
وقال في عذار غلام يكتب خطاً مليحاً:
وقد قلت لما فاق خط عـذاره |
|
في الحسن خط يمينه المستملحا |
من يكتب الخط المليح لـغـيره |
|
فلنفسه لاشك يكتب أمـلـحـا |
وله:
قالوا التحى ومحا الإله حماله |
|
وكساه ثوب مذلةً ومـحـاق |
كتب الزمان على محاسن خده |
|
هذا جزاء معذب العـشـاق |
وله:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما |
|
نجح الأمور بقوة الأسـبـاب |
فاليوم حاجتنـا إلـيك وإنـمـا |
|
يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب |
وله:
يروقك بشراً وهو جذلان مثلـمـا |
|
تخاف شباه وهو غضبان محـنـق |
كذا السيف في أطرافه الموت كامن |
|
وفي متنه ضـوء يروق ورونـق |
وله:
قالت وقد ساءلت عنها كل من |
|
لاقيته من حاضـرٍ أو بـادي |
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه |
|
ترني فقلت لها وأين فـؤادي |
وقال يصف الشتاء والبرد:
لبس الشتاء من الجليد جـلـودا |
|
فالبس فقد برد الزمـان بـرودا |
كم مؤمن قرصته أظفار الشتـا |
|
فغدا لأصحاب الجحيم حسـودا |
وترى طيور الماء في أرجائهـا |
|
تختار حر النار والـسـفـودا |
فإذا رميت بسؤر كأسك في الهوا |
|
عادت عليك من العقيق عقـودا |
يا صاحب العودين لا تهملهـمـا |
|
حرق لنا عوداً وحـرك عـوداً |
ومن غير كتاب الخريدة مما روى له:
إنسان عيني قط ما يرتوى |
|
من ماء وجه ملحت عينه |
كذلك الإنسان مـايرتـوى |
|
من شرب ماء ملحت عينه |
قال السمعاني: ولما ورد إلى بغداد مدح القائم بأمر الله بقصيدته التي صدرها ديوانه وهي:
عشنا إلى إن رأينا في الهوى عجبـا |
|
كل الشهور وفي الأمثال عش رجبا |
أليس من عجبٍ إنى ضحى ارتحلوا |
|
أوقدت من ماء دمعي في الحشا لهبا |
وإن أجفان عيني أمـطـرت ورقـاً |
|
وإن ساحة خدى أنبـتـت ذهـبـا |
وإن تلهب برق من جـوانـبـهـم |
|
توقد الشوق في جنبي والتـهـبـا |
قال: فاستهجن البغداديون شعره وقالوا: فيه برودة العجم، فأنتقل إلى الكرخ وسكنها وخالط فضلاءها وسوقتها مدةً وتخلق بأخلاقهم، واقتبس من اصطلاحاتهم ثم أنشأ قصيدته التي أولها:
هبت على صباً تكـاد تـقـول |
|
إني إليك من الحبيب رسـول |
سكرى تجشمت الربى لتزورني |
|
من علتي وهبوبها تـعـلـيل |
فاستحسنوها وقالوا: تغير شعره ورق طبعه، ومن شعره:
حمل العصا للمبتلـى |
|
بالشيب عنوان البلـى |
وصف المسافـر إنـه |
|
ألقى العصا كي ينزلا |
فعلى القياس سبيل من |
|
حمل العصا إن يرحلا |
وذكر أبو الحسن بن أبي القاسم زيد البيهقي في كتاب مشارب التجارب، وأخبار الوزير أبي نصر الكندري - وكندر قرية من أعمال طريثيث - قال: كان الشيخ على بن الحسن الباخرزي شريكه في مجلس الإفادة من الإمام الموفق النيسابوري في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، فجاءه الشيخ على بن الحسن فقال مداعباً:
أقبل من كندر مـسـيخـرة |
|
للنحس في وجهه علامات |
يحضر دور الأمير وهو فتىً |
|
موضع أمثاله الخـرابـات |
فهو جحـيم ودبـره سـعةً |
|
كجنة عرضها السـمـوات |
قال: وكان أول عمل الكندري حجبة الباب ثم تمكن في أيام السلطان طغرلبك وصار وزيرا محكماً تمكن أيام السلطان طغرلبك وصار وزيراً محكماً فورد عليه الشيخ على بن الحسن وهو ببغداد في صدر الوزارة في ديوان السلطان، فلما رآه الوزير قال له: أنت صاحب أقبل؟ فقال له: نعم، فقال الوزير: مرحباً وأهلاً فإني قد تفاءلت بقولك أقبل، ثم خلع عليه قبل إنشاده وقال له: عد غداً وأنشد، فعاد في اليوم الثاني وأنشد هذه القصيدة:
أقوت معاهدهـم بـشـط الـوادى |
|
فبقيت مقـتـولاً وشـط الـوادى |
وسكرت من خمر الفراق ورقصت |
|
عيني الدموع على غناء الحـادي |
ومنها:
في ليلة من هجره شتـوية |
|
ممدودةٍ مخضوبةٍ بمـداد |
عقمت بميلاد الصباح وإنها |
|
في الامتداد كليلة المـيلاد |
ومنها:
غر الأعادي منه رونق بشره |
|
وأفادهم برداً على الأكبـاد |
هيهات لايخدعهم إيمـاضـه |
|
فالغيظ تحت تبسـم الأسـاد |
فالبهو منه بالبهاء مـوشـح |
|
والسرح منه مورق الأعواد |
وإذا شياطين الضلال تمردوا |
|
خلاهم قرناء في الأصفـاد |
فلما فرغ من إنشاد هذه القصيدة قال عميد الملك لأمراء العرب: لنا مثله في العجم، فهل لكم مثله في العرب؟ ثم أمر له بألف دينار مغربية قال: وكان السلطان طغرلبك قد بعث وزيره الكندري وكيلا في العقد على بنت خوارزمشاه فوقع إرجاف ورفع إلى السلطان إن عميد الملك زوجها من نفسه وخان، وكان من أمرهما ماكان، فتغير رأس السلطان عليه فحلق عميد الملك لحيته وجب مذاكيره حتى سلم من سياسة السلطان، فمدحه الشيخ على بن الحسن بهذا النقصان وما سبقه بهذا المعنى أحد حيث قال:
قالوا محا السلطان عنه بعدكـم |
|
سمة الفحول وكان قرماً صائلا |
قلت اسكتوا فالآن زاد فحـولةً |
|
لما اغتدى عن إنثييه عـاطـلا |
فالفحل يأنف إن يسمى بعضـه |
|
إنثى لذلك جذه مسـتـأصـلا |
ولما قتل السلطان البرسلان الوزير أبا نصر الكندري قال الباخرزي يخاطب السلطان:
وعمك أدناه وأعلى مـحـلـه |
|
وبوأه من ملكه كنفاً رحـبـا |
قضى كل مولى منكم حق عبده |
|
فخوله الدنيا وخولته العقبـى |
قال المؤلف: وهذا المعنى لطيف ومقصد ظريف، فلله در الشعراء وقرائحهم والأدباء ومنائحهم قال البيهقي: ومن العجائب إن الآت تناسل الكندري مدفونة بخوارزم، ودمه مصبوب بمرو الروذ، وجسده مقبور بقرية كندر من طريثيث، وجمجمته ودماغه مدفونان بنيسابور، وشواته محشوة بالتبن وقد نقلت إلى كرمان فدفنت هناك. وقال على بن الحسن الباخرزي في ذلك:
مفترقاً في الأرض أجزاؤه |
|
بين قرىً شتـى وبـلـدان |
جب خـوارزم مـذاكـيره |
|
طغرلبك ذاك الملك الفاني |
ومص مرو الروذ من جيده |
|
معصفراً يخضبها قـانـي |
فالشخص في كندر مستبطن |
|
وراء أرما سٍ وأكـفـان |
ورأسه طار ولهفى علـى |
|
مجثمه في خير جثـمـان |
خلوا بنيسابور مضمـونـه |
|
وقحفه الخالي بكـرمـان |
والحكم للجبار فيما مضى |
|
وكل يوم هو في شـان |
وقال في قصيدة له فائقة يمدح فقيها الشريف ذا المجدين أبا القاسم على بن موسى بن إسحاق بن الحسين بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن على ابن أبي طالب عليهم السلام، نقيب الطالبيين بمرو - وفيها ما يدل على إن كنية الباخرزي أبو القاسم - أولها:
حيالك من تحت ذيل الحبى |
|
شعاع كحاشية المشرفى |
ويقول فيها:
وسقت الركائب حتى أنخـن |
|
بسبط الأنامل سبط النـبـي |
على بن موسى مواسى العفاة |
|
أبي القاسم السيد الموسـوى |
ومنها:
نماه الفـخـار إلـى جـده |
|
علىٍ فطار بجـدٍ عـلـى |
ولايتأشب عيص الـسـرى |
|
إذا هو لم يكن ابن السـرى |
أبا القاسم ياقسيم الـسـخـاء |
|
إذا جف ضرع الغمام الحبى |
وفدت إليك مع الـوافـدين |
|
وفود البشارة غب النـعـي |
وزارك منى سـمـي كـي |
|
فراع حقوق السمي الكنـي |
فهذي القصيدة بكر تـصـل |
|
على نحرها حصيات الحلي |
جعلت هواك جهازاً لـهـا |
|
فجاءتك مائسةً كـالـهـدى |
سحرت بها ألسن السامـرين |
|
ولم أترك السحر للسامـري |
ولما نشـرت أفـاويقـهـا |
|
طوى الناس ديباجة البحتري |
وقرأت بخط أبي سعد لأبي القاسم الباخرزي وكناه أبا الحسن:
يا فالق الصبح مـن لألأ غـرتـه |
|
وجاعل الليل من أصداغه سكنـا |
لاغرو إن أحرقت نار الهوى كبدى |
|
فالنار حق على من يعبد الوثـنـا |
وأنشد له وكناه أبا القاسم:
كتبت وخطى حاش وجهك شاهد |
|
بان بناني من أذى السقم مرتعش |
ونفسي إن تأمر تعش في سلامة |
|
فأهد لها منك السلام ومرتعـش |