باب العين - علي بن الحسن بن عساكر

علي بن الحسن بن عساكر

الحافظ الدمشقي نقلت من جزء عمله ولده أبو محمد القاسم بن علي في أخبار والده فقال: هو أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسن بن أبي محمد بن أبي على الشافعي الحافظ، أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين، ولد في المحرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ومات في الحادي عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وقد بلغ من السن اثنتين وسبعين سنةً وستة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، وحضر جنازته بالميدان والصلاة عليه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمه الله -.

قال العماد: وكان الغيث قد احتبس في هذه السنة فدر وسح عند ارتفاع نعشه، فكان السماء بكت عليه بدمع وبله وطشة. وسمعه أخوه سنة خمس وخمسمائة، وسمع هو بنفسه من والداه وأبي محمد الأكفاني وذكر خلقاً من شيوخ دمشق، ورحل إلى العراق في سنة عشرين وخمسمائة، وأقام بها خمس سنين، وسمع ببغداد من أبي القاسم بن الحصين وغيره، وحج في سنة إحدى وعشرين، وسمع بمكة ومنىً والمدينة وبالكوفة وأصبهان القديمة واليهودية ومرو الشاهجان ونيسابور وهراة وسرخس وأبيورد وبطان والري وزنجان، وذكر بلاداً كثيرةً يطول على ذكرها من العراق وخراسان والجزيرة والشام والحجاز. قال: وعدة شيوخه ألف وثلاثمائة شيخٍ، ومن النساء بضع وثمانون امرأةً، وحدث ببغداد ومكة ونيسابور وأصبهان وسمع منه جماعة من الحفاظ ممن هو أسن منه.

وروى عنه أبو سعد بن السمعاني فأكثر، وروى هو عنه. ولما دخل بغداد سمع الدرس بالنظامية مدة مقامه بها، وعلق مسائل الخلاف على الشيخ أبي سعد اسماعيل بن أبي صالح الكرماني، وأنتفع بصحبة جده أبي الفضل في النحو والعربية، وجمع وصنف، فمن ذلك: كتاب تاريخ مدينة دمشق وأخبارها وأخبار من حلها، أوردها في خمسمائة وسبعين جزءا كم تجزئة الأصل، والنسخة الجديدة ثمانمائة جزءٍ، كتاب الموافقات على شيوخ الأئمة الثقات اثنان وسبعون جزءاً، كتاب الأشراف على معرفة الأطراف ثمانية وأربعون جزءا، كتاب تهذيب المتلمس من عوالي مالك ابن إنس أحد وثلاثون جزءاً، كتاب التالي لحديث مالك العالي تسعة عشر جزءاً، كتاب مجموع الرغائب مما وقع من أحاديث مالك الغرائب عشرة أجزاءٍ، كتاب المعجم لمن سمع منه أو أجاز له اثنا عشر جزءاً، كتاب من سمع منه من النسوان جزء واحد، كتاب معجم أسماء القرى والأمصار التي سمع بها جزء واحد، كتاب مناقب الشبان خمسة عشر جزءاً، كتاب فضل أصحاب الحديث أحد عشر جزءاً، كتاب تبيين كذب المفتري على الأشعري عشرة أجزاء، كتاب المسلسلات عشرة أجزاءٍ، كتاب تشريف يوم الجمعة سبعة أجزاءٍ، كتاب المستفيد في الأحاديث السباعية الأسانيد أربعة أجزاءٍ، كتاب السداسيات جزء واحد، كتاب الأحاديث الخماسيات وأخبار أبي الدنيا جزء واحد، كتاب تقوية المنة على إنشاء دار السنة ثلاثة أجزاءٍ، كتاب الأحاديث المتخيرة في فضائل العشرة، كتاب من وافقت كنيته كنية زوجته أربعة أجزاءٍ، كتاب الأربعين الطوال ثلاثة أجزاءٍ، كتاب أربعين حديثاً عن أربعين شيخا من أربعين مدينةً جزءان، كتاب الأربعين في الجهاد جزء واحد، كتاب الجواهر واللإلئ في الأبدال العوالي ثلاثة أجزاء: كتاب فضل عاشوراء والمحرم ثلاثة أجزاء، كتاب الاعتزاز بالهجرة جزء واحد، كتاب المقالة الفاضحة للرسالة الواضحة جزء واحد، كتاب رفع التخليط عن حديث الأطيط جزء واحد، كتاب الجواب المبسوط لمن ذكر حديث الهبوط جزء واحد، كتاب القول في جملة الأسانيد في حديث المؤيد ثلاثة أجزاء، كتاب طرق حديث عبد الله بن عمر جزء، كتاب من لا يكون مؤتمناً لا يكون مؤذناً جزء واحد، كتاب ذكر البيان عن فضل كتابة القران جزء واحد، كتاب دفع التثريب على من فسر معنى التثويب جزء، كتاب فضل الكرم على أهل الحرم جزء واحد، كتاب الإقتداء بالصادق في حفر الخندق جزء واحد، كتاب الإنذار بحدوث الزلازل ثلاثة أجزاء، كتاب ثواب الصبر على المصاب بالولد جزان، كتاب معنى قول عثمان: ما تعنيت ولا تمنيت جزء، كتاب مسلسل العيدين جزء واحد، كتاب حلول المحنة بحصول الابنة جزء واحد، كتاب ترتيب الصحابة في مسند أحمد جزء واحد، كتاب ترتيب الصحابة في مسند أبي يعلى جزء، كتاب معجم الشيوخ النبلاء جزء واحد، كتاب أخبار أبي عمر الأوزاعي وفضائله جزء، كتاب ما وقع للأوزاعي من العوالي جزء، كتاب أخبار أبي محمد سعد بن عبد العزيز وعواليه جزء، كتاب عوالي حديث سفيان الثوري وخبره أربعة أجزاء، كتاب إجابة السؤال في أحاديث شعبة جزء واحد، كتاب روايات ساكني داريا ستة أجزاءٍ، كتاب من نزل المزه وحدث بها جزء واحد، كتاب أحاديث جماعة من كفر سوسيه جزء واحد، كتاب أحاديث صنعاء الشام جزءان، كتاب أحاديث أبي الأشعث الصنعاني ثلاثة أجزاء، كتاب أحاديث حنش والمطعم وحفص الصنعانيين جزء، وكتاب فضل الربوة والنيرب ومن حدث بها جزء، كتاب حديث أهل قرية الحمريين وقبيبات جزء واحد، كتاب حديث أهل فذايا وبيت أرانس وبيت قوفا جزء، كتاب حديث أهل قرية البلاط جزء، كتاب حديث سلمة أبن على الحسني البلاطي جزءان ومن حديث يسرة بن صفوان وابنه وابن ابنه جزء واحد، ومن حديث سعد ابن عبادة جزء، ومن حديث أهل رندين وجبرين جزء واحد. ومن حديث أهل بيت سواى جزء، ومن حديث رومة ومسرابا والقصر جزء، ومن حديث جماعة من أهل حرستا جزء، ومن حديث أهل كفر بطنا جزء، ومن حديث أهل دقانية وجخراء وعين توما وجديا وطرميس جزء واحد، ومن حديث جماعة من أهل جوبر جزء واحد، ومن حديث جماعة من أهل بيت لهيا جزء واحد، ومن حديث يحيى بن حمزة البتلهى وعواليه جزء، ومجموع من حديث محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي البتهلي جزءان، وفضائل مقام إبراهيم، ومن حديث أهل برزة جزء، ومن حديث أبي بكر بن محمد بن رزق الله المنيني المقرئ جزء، ومجموع من أحاديث جماعة أهل بعلبك جزءان. قال: وأملي رحمه الله أربعمائة مجلس وثمانية مجالس في فن واحد، وخرج لشيخه أبي غالب بن البنائي أحد عشر مشيخةً، ومشيخةً لشيخه أبي المعالي عبد الله بن أحمد الحلواني الأصولي جزأين، وخرج أربعين حديثاً مساواة الإمام أبي عبد الله القراوي في جزءٍ، ومصافحةً لأبي سعدٍ السمعاني وأربعين حديثاً في جزءٍ، وخرج لشيخه الإمام أبي الحسن السلمي سبعة مجالس وتكلم عليها، وآخر ماصنعه جزء في تكميل الأنصاف والعدل بتعجيل الإسعاف بالعزل، وكتاب فيه ذكر ما وجدت في سماعٍ مما يلتحق بالجزء الرباعي. ووجدت في أصوله علاماتٍ له على مصنفاتٍ عدةٍ منها: كتاب الإبدال ولو تم كان مقداره مائتي جزءٍ أو أكثر، وكتاب فضل الجهاد، ومسند مكحول وأبي حنيفة. وكتاب فضل مكة. وكتاب فضل المدينة. وكتاب فضل البيت المقدس. وكتاب فضل قريشٍ وأهل البيت والأنصار والأشعريين وذم الرافضة. وكتاب كبير في الصفات وأشياء غير ذلك تبلغ عدتها أربعين مصنفاً. ولما أملى رحمه الله في فضائل الصديق رضي الله عنه سبعة مجالس ثم قطعها بإملاء مجالس في ذم اليهود وتخليدهم في النار، جاء إليه صديقنا أبو علي بن رواحة وقال له: رأيت الصديق في النوم وهو راكب على راحلة فقلت: يا خليفة رسول الله قد أملى علينا الحافظ أبو القاسم سبعة مجالس في فضائلك، فأشار إلي بأصابعه الأربع، فقال له والدي: قد بقي عندي مما خرجت ولم أمله أربعة مجالس فأملاها، ثم أملى في كل واحدٍ من الخلفاء أحد عشر مجلساً، وكان رحمه الله مواظباً على صلاة الجمعة ملازماً لقراءة القران، وكان يختم في رمضان والعشر كل يوم ختمة، ولم ير الأ في الاشتغال بعلمٍ وعبادةٍ يحاسب نفسه على كل لحظة، وكنت أسمع والدي يحكي إن أباه رأى في منامه رؤيا ووالدي حمل إنه يولد لك مولود يحيى الله به السنة، ولما قدم إلى بغداد أعجب به البغداديون وقالوا: قدم علينا من دمشق ثلاثة ما رأينا مثلهم: الشيخ يوسف الدمشقي، والصائن أبو الحسين هبة الله بن الحسن، وأخوه أبو القاسم. وحدثني أبي رحمة الله قال: كنت يوما أقرأ على شيخنا أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع جماعة بالعجمية فقال: قدم علينا الوزير أبو علي فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد بن السمعاني فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا فلم نر مثله، وقال لنا صاحبه الحافظ أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن صصري قال: الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد المقري الأديب اللغوي إمام همذان وتلك الديار غير مدافعٍ، أنا أعلم إنه لايساجل الحافظ أبا القاسم في شانه أحد، فلو خالط الناس وما زجهم كما أصنع إذاً لاجتمع عليه المخالف والمؤالف، وقال لي يوماً آخر: أي شيءٍ فتح له؟ وكيف بر الناس له؟ فقلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنةً إلا بالجمع والتصنيف والمطالعة والتسميع حتى في نزهه وخلواته. فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلا أنا قد فتح لنا مما حصلنا به الدار والكتب وبناء المسجد ما يقرب من اثني عشر ألف دينار، وهذا يدل على قلة حظوظ العلماء في بلادكم. ثم قال لي: ما كنا نسمي الشيخ أبا القاسم ببغداد الأ شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه. قال: وقال لي والدي لم أر بدمشق أفهم للحديث من أبي محمد بن الأكفاني، ولا ببغداد مثل أبي الفضل محمد بن ناصر وأبي عامر العبدري، وكان العبدري أحفظهما، ولم أر بخراسان مثل أبي القاسم الشحامى، ولابأصفهان مثل أبي القاسم التيمى الحافظ، وأبي نصر البوياري فقلت له: ما أخالك إلا أفضل منهما، فسكت، هذا آخر ما نقلت من هذا الجزء الذي ألفه ابنه وتركت منه ما اختصرته. وكان الحافظ أبو القاسم بن عساكر يقول شعراً ليس بالقوى، وسمعه تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي النحوي اللغوي فقال. هذا شعر أضاع فيه صاحبه شيطانه ، فقال السعماني في المذيل: وأنشدني الحافظ أبو القاسم بالمزة من أرض دمشق:

أيا نفس ويحك جاء المشيب

 

فماذا التصابي وماذا الغزل

تولى شبابي كان لـم يكـن

 

وجاء مشيبي كان لـم يزل

فيا ليت شعري فيمن أكون

 

وماقدرالله لي فـي الأزل

قال السمعاني وأنشدني لنفسه ببغداد:

وصاحب خان ما استودعته وأتى

 

مالا يليق بأربـاب الـديانـات

 

وأظهر السر مختارا بلا سبب

 

وذاك والله من أوفى الجنايات

أما أتاه عن المختار في خبر

 

إن المجالس تغشى بالأمانات

قال السمعاني وأنشدني لنفسه بنيسابور:

لا قدس الله نيسـابـور مـن بـلـد

 

ما فيه من صاحب يسلى ولا سكـن

لولا الجحيم الذي في القلب من حرق

 

لفرقه الأهل والأحباب والـوطـن

لمت من شدة البرد الذي ظـهـرت

 

آثار شدته فـي ظـاهـر الـبـدن

يا قوم دوموا على عهد الهوى وثقوا

 

إني على العهد لم أغدر ولم أخـن

ولا تدبرت عيشي بعـد بـعـدكـم

 

إلا تمثلت بيتـاً قـيل مـن زمـن

فإن أعش فلعل اللـه يجـمـعـنـا

 

وإن أمت فقتيل الهـم والـحـزن