باب العين - علي بن الحسين بن هندو

علي بن الحسين بن هندو

أبو الفرج الكاتب الأديب المنشئ الشاعر من البراعة، ومستخدمي البراعة، وأعيان أهل البلاغة، له رسائل مدونه وفضائل متعينة مختاره، يفضله أهل بلده على كثير من أقرانه. قال أبو علي التنوخي: كان أحد كتاب الإنشاء في ديوان عضد الدولة قال: وشاهدت عدة كتب كتبها عنه بخطه. وقال أبو الفضل البندنيجي الشاعر: هو من أهل الرى قال: وشاهدته بجرجان في سني بضع عشرة وأربعمائةٍ كاتباً بها، وأنه مشهور في تلك البلاد بجودة الشعر وكثرة الأدب والفضل.

قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سهل الهروي: كان أبو الفرج ابن هندو صاحب أبوةٍ في بلده، ولسلفه نباهة بالنيابة وخدمة السلطان هناك، وكان متفلسفا قرأ كتب الأوائل على أبي الحسن الوائلي بنيسابور، ثم على أبي الخير أبن الخمار، وورد بغداد في أيام أبي غالب بن خلف الوزير فخر الملك ومدحه واتفق اجتماعي معه وأنسى به، وكان يلبس الدراعة على رسم الكتاب، وأنشدني لنفسه:

لايؤيسنك من مجدٍ تبـاعـده

 

فإن للجد تدريجاً وترتـيبـا

إن القناة التي شاهدت رفعتها

 

تنمى وتنبت أنبوباً فأنبـوبـا

قال أبو الفضل البندنيجي: سمعته ينشد لنفسه:

يا سيف إن تدرك بحاشية اللوى

 

ثاراً أكن لمديح طبعك ناظمـا

أجعل قرابك فضةً مسـبـوكةً

 

وأصغ عليك من الزبرجد قائما

ما أرضعتك صياقلي ماء الردى

 

إلا لترضعني الدماء سواجمـا

قال: وحضرت معه في مجلس أبي غانمٍ القصري الناظر، - كان في الدواوين بجرجان على البريد - فعمل بديهاً ما دفعه إلى المغنى فغنى به:

يا هاجراً لي بغير جـرمٍ

 

مستبدل الوصل بالصدود

أضنيت جسمي فلم تغادر

 

مني دليلاً على الوجود

وله أيضا:

كل مالي فهو رهن مـالـه

 

من فكاكٍ في مساءٍ وابتكار

ففؤادي أبـداً رهـن هـوىً

 

وردائي أبداً رهن عـقـار

فدع التفنيد يا صـاح لـنـا

 

إنما الربح لأصحاب الخسار

لو ترى ثوبي مصبوغاً بهـا

 

قلت ذمى تبدى في غـيار

ولقد أمرح في شرخ الصبا

 

مرح المهرة في ثني العذار

وله أيضا:

ضعت بأهل الرى في أهلهـا

 

ضياع حرف الراء في اللثغة

صرت بها بعد بلوغ المـنـى

 

أحمد إن تبلغ بي الـبـلـغة

وله أيضا:

إذا ما عقدنا نعمةً عند جاحـدٍ

 

ولم نره إلا جموحاً عن الشكر

رجعنا فعفينا الجمـيل بـضـده

 

كذاك يجازى صاحب الشر بالشر

هذا عكس قول ابن الرومي

أحسن إليه إذا أساء فأنـتـمـا

 

من ذي الجلال بمسمعٍ وبمنظر

وله أيضاً:

وكافرٍ بالمعاد أمـسـى

 

يخلبني، قوله الخلـوب

قال اغتنم لذة اللـيالـي

 

وعد عـن آجـل يريب

ضل هذه وجاء يهـدي

 

طب لعينيك يا طبـيب

أأخطأ العالمـون طـراً

 

وأنت من بينهم مصيب؟

وله أيضاً:

كدأبك كل لا يرى غير نفسه

 

فعش واحداً واضربهم بفراق

زمان تجافى أهله فكأنـهـم

 

سياة قسىٍ مالهن تـلاقـي

وله أيضاً:

تعانقنا لـتـوديعٍ عـشـاءً

 

وقد شرقت بمدمعها الحداق

وضيقنا العناق لفرط شـوقٍ

 

فما ندرى عناق أم خنـاق؟

وتحدث أبو الفضل البندنيجي الشاعر قال: كان بابن هند ضرب من السوداء، وكان قليل القدرة على شرب النبيذ لأجل ذلك، واتفق إنه كان يوماً عند أبي الفتح بن أبي علىٍ حمدٍ كاتب قابوس بن وشمكير وأنا معه على عادةٍ كانت لنا في الاجتماع، فدخل أبو عليٍ إلى الموضع ونظر إلى ما كان بأيدينا من الكتب وتناشد هو وابن هندوالشعر، وحضر الطعام فأكلنا انتقلنا إلى مجلس الشراب، ولم يطق ابن هندوالمساعدة على ذلك، فكتب في رقعةٍ كتبها إليه:

قد كفاني من المـدام شـمـيم

 

صالحتني النهى وثاب الغريم

هي جهد العقول سمى راحـاً

 

مثل ما قيل لـلـديغ سـلـيم

إن تكن جنة النعيم فـفـيهـا

 

من أذى السكر والخمار جحيم

فلما قرأها ضحك وأعفاه من الشرب. وأنشد أبو الفضل له:

قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم

 

وخادع النفس إن النفس تنخدع

قد صيغ قلبي على مقدار حبهم

 

فما لحب سواهم فيه متسـع

وحدث أبو الفضل البندنجي قال: أنشدت يوماً أبا الفتح بن أبي عليٍ حمدٍ قول ابن المعتز:

سعى إلى الدن بالمبزال يبقره

 

ساقٍ توشح بالمنديل حين وثب

لما وجاها بدت صهباء صافيةً

 

كأنما قد سيراً من أديم ذهب

ومثله قول ابن سكرة:

ثم وجاها بشبا مبـزلٍ

 

فاستل منها وتراً مذهبا

فقال: قول ابن هندو أحسن:

وساقٍ تقلد لـمـا أتـى

 

حمائل زقٍ ملاه شمولا

فلله درك من فـارس

 

تقلد سيفاً يقد العقـولا

قال: فجاذبت ابن هندو من بعد وقد اجتمعت معه الأبيات وقلت له: إن قولك حمائل الزق فيه بشاعة، وما رأيت أحداً تقلد زقاً فقال: أهل العراق يصرفون الكلام ونحن نورده على أصله.

وحدث أبو الفضل البندنيجي قال: كان ابن هندو يشرب يوماً عند أبي غانمٍ القصري واقتصر على أقداحٍ يسيرةٍ ثم أمسك، فسأله الزيادة فلم يفعل وقال:

أرى الخمر ناراً والنفوس جواهراً

 

فإن شربت أبدت طباع الجواهر

فلا تفضحن النفس يوماً بشربهـا

 

إذا لم تثق منها بحسن السـرائر

وله أيضا:

تعرض لي الدنيا بلذة مـطـعـمٍ

 

وزخرف موشىٍ من اللبس رائق

أرادت سفاهاً إن تموه قبحـهـا

 

على فكرٍ خاضت بحار الدقائق

فلا تخدعينا بالسـراب فـإنـنـا

 

قتلنا نهانا في طلاب الحـقـائق

وحدث البندنيجي قال: كان الناس يظنون بمنوجهر أبن قابوس ما كان في أبيه من الأدب والفضل ولم يكن كذلك، فلما أنتقل الأمر إليه قصد بما يقصد به مثله، وكان لا يوصل إليه إلا القليل، ولا يتقبل ما يمدح به، ولا يهش من هذا الجنس لتباعده عنه، وكان مع هذه الحالة فروقةً قليل البطش، فمدحه ابن هندو بقصيدةٍ وتانق فيها، وأنشده إياها فلم يفهمها ولم يثبه عليها فقال:

يا ويح فضلي أما في الناس من رجل

 

يحنو على أما في الأرض من ملك؟

لأكرمنك يا فضلـي بـتـركـهـم

 

وأسـتـهـين بـالأيام والـفـلـك

فقيل لمنوجهر: إنه قد هجاك، لأن لقبه كان فلك المعالي، فطلبه ليقتله فهرب إلى نيسابور وانفلت منه، وله:

حللت وقاري في شادنٍ

 

عيون الأنام به تعـقـد

غدا وجهه كعبةً للجمال

 

ولى قلبه الحجر الأسود