ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، نقيب العلويين أبو القاسم الملقب بالمرتضى، علم الهدى، السيد المشهور بالعلم، المعروف بالفهم، ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائةٍ، ومات سنة ستٍ وثلاثين وأربعمائةٍ، وهو أكبر من أخيه الرضي وقال أبو جعفر الطوسى: توحد المرتضى في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم مثل علم الكلام والفقه، وأصول الفقه، والأدب، والنحو، والشعر، ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك، وله ديوان شعرٍ يزيد على عشرة آلاف بيتٍ، وله من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير يشتمل على ذلك فهرسته غير أني أذكر أعيان كتبه وكبارها منها: كتاب الشافي في الإمامة، كتاب المغني لعبد الجبار بن أحمد وهو كتاب لم يصنف مثله في الإمامة، كتاب الملخص في الأصول لم يتمه، كتاب الذخيرة في الأصول تام، وكتاب جمل العلم والعمل تام، وكتاب الغرر، وكتاب التنزيه، وكتاب المسائل الموصلية الأولى، وكتاب المسائل الموصلية الثانية، كتاب المسائل الموصلية الثالثة، وكتاب المقنع في الغيبة، وكتاب مسائل الخلاف في الفقه لم يتم، كتاب الانتصار فيما انفردت به الأمامية، كتاب مسائل مفرداتٍ أصول الفقه، كتاب المصباح في الفقه لم يتم، كتاب المسائل الطرابلسية الأولى، وكتاب المسائل الطرابلسية الأخيرة، وكتاب مسائل أهل مصر الأولى، وكتاب مسائلهم الأخيرة، وكتاب المسائل الحلبية الأولى، وكتاب المسائل الحلبية الأخيرة، كتاب المسائل الناصرية في الفقه، وكتاب المسائل الجرجانية، وكتاب المسائل الطوسية لم يتم، وكتاب البرق، وكتاب طيف الخيال، وكتاب الشيب والشباب، كتاب تتبع أبيات المعاني للمتنبي التي تكلم عليها ابن جنىٍ في الحكاية والمحكي، وكتاب النقض على ابن جنىٍ في الحكاية والمحكي، وكتاب نص الرواية وإبطال القول بالعدد، وكتاب الذريعة في أصول الفقه، وكتاب تفسير قصيدة السيد، وله مسائل مفردات نحو مائة مسألة في فنون شتى، وكتاب المسائل الصيداوية. قال أبو جعفر الطوسي: قرأت أكثر هذه الكتب عليه وسمعت سائرها. ومن شعره المذكور في تتمة اليتيمة:
يا خليلـي مـن ذؤابة بـكـرٍ |
|
في التصابي رياضة الأخلاق |
غنياني بذكرهم تطـربـانـي |
|
واسقياني دمعي بكأس دهاق |
وخذا النوم عن جفوني فإنـي |
|
قد خلعت الكرى على العشاق |
وله في ذم المشيب:
يقولون لا تجزع من الشـيب ضـلةً |
|
وأسهمه إياي دونهـم تـصـمـى |
وما سرني حلم يفـئ إلـى الـردى |
|
كفاني ما قبل المشيب من الحـلـم |
إذا كان ما يعطيني الحزم سـالـبـاً |
|
حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي؟ |
وقد جربت نفسي الـغـداة وقـاره |
|
فماشد وهني ولاسد من ثـلـمـي |
وإني مذ أضحـى عـذارى قـراره |
|
أعاد بلا سقمٍ وأجفـى بـلا جـرم |
وله في مرثية:
كم تطيش سهام الموت مخطـئةً |
|
عني وتصمى إخلائي وإخوانـي |
ولو فطنت وقد أردى الزمان أخي |
|
علمت أن الذي أصماه أصمانـي |
سود وبيض من الأيام لونـهـمـا |
|
لا يستحيل وقد بدلـن ألـوانـي |
هيهات: حكم فينـا أزلـم جـدع |
|
يفنى الورى بين جذعان وفرحان |
ذكر غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن الصابئ في كتاب الهفوات قال: اجتاز المرتضى أبو القاسم يوم جمعةٍ على باب جامع المنصور بحيث يباع الغنم، فسمع المنادي يقول: نبيع هذا التيس العلوي بدينار، فظن أنه قصده بذلك، فعاد إلى داره وتألم إلى الوزير مما جرى عليه، فكشف فوجد أن التيس إذا كان في رقبته حلمتان متدليتان سمى علوياً تشبيهاً بضفيرتي العلوي المسبلتين على رقبته. نقلت من خط الحافظ الإمام أبي نصرٍ عبد الرحيم ابن النفيس بن وهبان - وفقه الله - قال: نقلت من خط الإمام أبي بكرٍ محمد بن منصورٍ السمعاني - رحمه الله - قال: سمعت أبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي يقول: سمعت أبا القاسم بن برهان يقول: دخلت على الشريف المرتضى أبي القاسم العلوي في مرضه الذي توفى فيه، فإذا قد حول وجهه إلى الجدار فسمعته يقول: أبو بكرٍ وعمر وليا فعدلا، واسترحما فرحما، فأنا أقول: ارتدا بعد إن أسلما، قال: فقمت وخرجت فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه، ومن شعره ما نقلته من خط تاج الإسلام في المذيل:
وزارت وسادي في المنام خريدة |
|
أراها الكرى عيني ولست أراها |
تمانع صبحاً أن أراها بناظـري |
|
وتبذل جنحاً إن أقبـل فـاهـا |
ولما سرت لم تخش وهناً ضلالةً |
|
ولاعرف العذال كيف سراهـا |
فماذا الذي من غير وعدٍ أتى بها |
|
ومن ذا على بعد المزار هداها؟ |
وقالوا عساها بعد زورة باطـلٍ |
|
تزور بلا ريبٍ فقلت عسـاهـا |
وأنشد له فيه.
وطـرقتـنـي وهـنـاً بـأجواز الـفـلا |
|
وطـروقــن علـى الـفـلا تـخـييل |
في لـيلةٍ وافـى بـهـا مــتـمـنـع |
|
ودنـت بـعـيدات وجـاد بـخــيل |
يا لـيت زائرنـا بـفـاحـمة الـدجى |
|
لم يأت إلا والـصــبـاح رســول |
فقـلـيلة وضح الـضـحى مـسـتـكـثـر |
|
وكـثـيرة غبـش الـظـلام قـليل |
ماعابه وبه السرور زواله |
|
فجميع ما سر القلوب يزول |
ومن خطبه:
سمعت أبا العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان يقول: ذكر شيخنا أبو
الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ، ونقلت من خطبه. سمعت الكيا أبا الحسين
يحيى بن الحسين العلوي الزيدي وكان من نبلاء أهل البيت ومن المحمودين في
صناعة الحديث وغيره من الأصول والفروع يقول: وقد دخل عليه بعض الشعراء
فمدحه بقصيدة، فلما خرج قال: يا أبا الفضل، الناس ينظرون إلى وإلى المرتضى
ولا يفرقون بين الرجلين، المرتضى يدخل عليه من أملاكه كل سنة أربعة وعشرون
ألف دينارٍ، وأنا آكل من طاحونةٍ لأختي ليس لي معيشة غيرها.
قال أبو الفضل المقدسي، وذكر بين يديه يوماً الإمامية فذكرهم بأقبح ذكرٍ
وقال: لو كانوا من الدواب لكانوا الحمير، ولو كانوا من الطيور لكانوا الرخم
وأطنب في ذمهم، وبعد مدة دخلت على المرتضى وجرى ذكر الزيدية والصالحية
أيهما أفضل؟ فقال يا أبا الفضل: تقول أيهما خير ولا تقول أيهما شر، فتعجبت
من إمامي الشيعة في وقتهما ومن قول كل واحدٍ منهما في مذهب الآخر فقلت: قد
كفى أهل السنة الوقيعة فيكما. قرأت بخط الشيخ أبي محمد بن الخشاب: حدثني
الشيخ الصالح أبو صالح قرطاس بن الطنطاش الظفري الصوفي التركي من لفظه قال:
سمعت أبا الرملي يقول وكان مسناً: حضرت مجلس أبي القاسم المرتضى وأنا إذ
ذاك صبي، فدخل عليه بعض أكابر الديلم فتزحزح له وأجلسه معه على سريره،
وأقبل عليه مسائلاً فساره الديلمي بشيءٍ لم نعلم ما هو؟ فقال متضجراً نعم:
وأخذ معه في كلامٍ كأنه يدافعه، فنهض الديلمي فقال المرتضى بعد نهوضه:
هؤلاء يريدون منا أن نزيل الجبال بالريش، وأقبل على من في مجلسه فقال:
أتدرون ما قال هذا الديلمي؟ فقالوا لاياسيدي، فقال: قال: بين لي هل صح
إسلام أبي بكر وعمر؟ قلت أنا: - رضي الله عنهما -، قرأت في بعض كتب الحسن
بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل بخطه.
حدثني الفصيحي النحوي قال: اطلع المرتضى من روشنه فرأى المطرز الشاعر وقد انقطع شراك نعله وهو يصلحه فقال له: فديت ركائبك وأشار إلى قصيدته التي أولها:
سرى مغرما بالعيش ينتجع الركـبـا |
|
يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا |
على عذبات الجزع من ماء تغـلـبٍ |
|
غزال يرى ماء القلوب له شـربـا |
إلى قوله:
إذا لم تبلغني إليكـم ركـائبـي |
|
فلا وردت ماءً ولارعت العشبا |
فقال مسرعاً: أتراها ما تشبه مجلسك وخلعك؟ أشار بذلك إلى أبياته التي أولها:
يا خليلي من ذؤابة قيس |
مذكورة في أول ترجمته قبل، وأنه لما خلع وهب النوم. وللمرتضى:
تجاف عن الأعداء بغياً فربمـا |
|
كفيت فلم تجرح بنابٍ ولاظفر |
ولاتبر منهم كل عودٍ تخافـه |
|
فإن الأعادي ينبتون مع الدهر |