باب العين - علي بن عبد العزيز بن إبراهيم

علي بن عبد العزيز بن إبراهيم

ابن بناء بن حاجب النعمان، أبو الحسن. قد ذكرت معنى تسميتهم بحاجب النعمان في ترجمة أبيه، وله ديوان شعر كبير الحجم، وكان أبوه يكتب لأبي محمدٍ المهلبي وزير معز الدولة، وكتب أبو الحسن للطائع لله، ثم للقادر بالله بعده في شوالٍ سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وخوطب برئيس الرؤساء، وخدم خليفتين أربعين سنةً، ومولده سنة أربعين وثلاثمائةٍ، ومات في رجبٍ سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائةٍ، وولى ابنه أبوالفضل مكانه فلم يسد مسده فعزل بعد شهورٍ.

وحدث ابن نصرٍ قال: حدثني أبو الفتح أحمد بن عيسى الشاعر المعروف بحمدية قال: لما قبض القادر بالله على أبي الحسن بن حاجب النعمان واستكتب أبا العلاء ابن تريكٍ وهي النظر وقل رونقه، واتفق أن دخل يوماً إلى الديوان فوجد على مخاده قطعةً من عذرةٍ يابسةٍ، فانخزل وتلاشى أمره فقبض عليه وأعيد أبو الحسن إلى رتبته، وكانت بيني وبين أبي العلاء من قبل مماظة في بعض الأمور، فامتدحت أبا الحسن بقصيدةٍ أولها:

زمت ركائبهم فاستشعر التلف

حتى بلغت منها إلى قولي:

يا من إذا ما رآه الدهر سألـمـه

 

وظل معتذراً مما جنى وهـفـا

قد رام غيرك هذا الطرف يركبه

 

فما استطاع له جريا بلى وقـفـا

لم يرجع الطرف عنه من تبظرمه

 

حتر رأينا على دستٍ له طرفـا

فدفع إلى صورة عنقاء فضةً مذهبةً كانت بين يديه فيها طيب وقال: خذ هذه الطرفة فإنها أطرف من طرفتك. وقرأ في المفاوضة: حدثني الوزير أبو العباس عيسى ابن ماسرجيس قال: كنت أخلف الوزارة ببغداد مشاركاً لأبي الحسن على بن عبد العزيز بن حاجب النعمان، فدعاني يوما إلى داره ببركة زلزلٍ وتجمل واحتشد ودعا بكل من يشار إليه بحذق في الغناء من رجالٍ وإماءٍ مثل علية الخاقانية وغيرها من نظرائها في الوقت، وحضر القاضي أبو بكر بن الأزرق نسيبه وانتقلنا من الطعام إلى مجلس الشراب، فلما دارت الكأس أدواراً قال لي: ما أراك تحلف على القاضي ليشرب معنا ويساعدنا وإن كان لا يشرب إلا قارصاً. قلت: أنا غريب ومحتشم له وأمره بك أمس وأنت به أخص. قال: فاستدعى غلاماً وقال: امض إلى إسحاق الواسطى واستدع منه قارصاً وتول خدمة القاضي - أيده الله - فمضى الغلام وغاب ساعةً ثم أتى ومعه خماسية فيها من الشراب الصريفيني الذي بين أيدينا إلا أن على رأسها كاغداً وختماً وسطراً فيه مكتوب: قارص من دكان إسحاق الواسطي. قال: فتأمله القاضي وأبصر الخط والختم ثم أمر فسقى رطلاً، فلما شربه واستوفاه قال للغلام: ويلك ما هذا؟ قال: يا سيدي هذا قارص. قال لا، بل والله الخالص، ثم ثنى له وثلث، فاضطرب أمر القاضي علينا وأنشأ يقول:

ألا فاسقني الصهباء من حلب الكرم

 

ولاتسقني خمراً بعلمك أوعلمـي

أليست لها أسماء شتـى كـثـيرة

 

ألا فاسقنيها واكن عن ذلك الإسـم

فكان كلما أتاه بالقدح سأله عنه فيقول تارةً: مدام، وتارةً خندريس وهويشرب، فإذا قال له: خمر حرد واستخف به فيتوارى بالقدح ساعةً ثم يعيده ويقول: هذه قهوة فيشرب به، فلم يشرب القاضي إلا بمقدار ستة أسماءٍ أو سبعةٍ من أسماء الخمر حتى انبطح في المجلس ولف في طيلسان أزرق عليه وحمل إلى داره.