باب العين - علي بن أبي طالب

علي بن أبي طالب

أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وسلامه - - واسم أبي طالب عبد مناف - بن عبد المطلب، - واسم عبد المطلب عامر وهو شيبة الحمد لقب له - بن هشام - واسمه عمرو - بن عبد مناف - وهو المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

أخباره عليه السلام كثيرة، وفضائله شهيرة، إن تصدينا لاستيعابها وانتخاب محاسنها كانت أكبر حجماً من جميع كتابنا هذا. مات صلوات الله عليه يوم الجمعة لسبع عشرة ليلةً خلت من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، ومدة عمره فيها خلاف على ما نذكره فيما بعد، ولا بد من ذكر جملٍ من أمره على سبيل التاريخ يستدل بها على مجاري أموره، ونتبعها بذكر ولده ومن أعقب منهم ومن لم يعقب، وذكر شيء مما صح من شعره وحكمه.

وكان عليه السلام أول من وضع النحو وسن العربية، وذلك أنه مر برجل يقرأ: (إن الله بريء من المشركين ورسوله) بكسر اللام في رسوله، فوضع النحو وألقاه إلى أبي الأسود الدؤلي، وقد استوفينا خبر ذلك في باب أبي الأسود.

قرأت بخط أبي منصورٍ محمد بن أحمد الأزهري اللغوي في كتاب التهذيب له: قال أبو عثمان المازني: لم يصح عندنا أن علي بن أبي طالب عليه السلام تكلم من الشعر بشيء غير هذين البيتين:

تلكم قريش تمناني لتقتـلـنـي

 

ولا وجدك ما بروا ولا ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهـم

 

بذات روقين لا يعفو لها أثـر

قال: ويقال: داهية ذات روقين، وذات ودقين: إذا كانت عظيمةً. كان قد بويع له يوم قتل عثمان بن عفان رضي اله عنه، ثم كانت وقعة الجمل بعد ذلك بخمسة أشهرٍ وأحدٍ وعشرين يوماً، وعدة من قتل في وقعة الجمل ثمانية آلاف، منهم من الأزد خاصةً أربعة آلاف، ومن ضبة ألف ومائة، وباقيهم من سائر الناس وقيل: أقل من ذلك. ومن أصحاب علىٍ صلوات الله عليه نحو ألفٍ. وكانت الوقعة لعشرٍ خلون من جمادى الأولى سنة ستٍ وثلاثين، وكان بين وقعة الجمل والتقائه مع معاوية بصفين سبعة أشهرٍ وثلاثة عشر يوماً، وكان أول يومٍ وقعت الحرب بينهم بصفين غرة صفرٍ سنة سبعٍ وثلاثين، واختلف في عدة أصحابهما فقيل: كن علي في تسعين ألفاً، وكان معاوية في مائةٍ وعشرين ألفاً، وقيل: كان معاوية في تسعين ألفاً، وعلي عليه السلام في مائةٍ وعشرين ألفاً، منهم خمسة وعشرون من الصحابة، وقتل من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً. وقيل: غير ذلك، وكان الماقم بصفين مائة يومٍ وعشرة أيامٍ، وكانت الوقائع تسعين وقعةً، وبين وقعة صفين والتقاء الحكمين وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل خمسة أشهرٍ وأربعة وعشرون يوماً، وبين التقائهما وخروج علي عليه السلام إلى الخوارج بنهروان وقتله إياهم سنة وشهران، وكان الخوارج أربعة آلافٍ عليهم عبد الله بن وهبٍ الراسبي من الأزد، وليس براسب بن جرم بن ريان، وليس في العرب غيرهما، فلما نزل علي عليه السلام تفرقوا فبقي منهم ألف وثمانمائةٍ، وقيل: ألف وخمسمائةٍ، فقتلوا إلا نفراً يسيراً، وكان سبب تفرق الخوارج عنه، أنهم تنازعوا عند الإحاطة بهم فقالوا: أسرعوا الروحة إلى الجنة، فقال عبد الله بن وهبٍ ولعلها إلى النار، فقال: من فارقه، ترانا نقاتل مع رجلٍ شاكٍ. وبين خروجه إلى الخوارج وقتل ابن ملجمٍ له لعنه الله تعالى سنة وخمسة أشهرٍ وخمسة أيامٍ.

واختلف في مدة عمره، فقال قوم: إنه استشهد وله ثمان وستون سنةً في قول من يذهب إلى أنه أسلم وله خمس عشرة سنةً، وقيل: ست وستون وهو قول من يذهب إلى أنه أسلم وله ثلاث عشرة سنةً، وقيل: ثلاث وستون وهو قول من يرى أنه أسلم وله عشر سنين، وقيل: ثمان وخمسون وهو قول من زعم أنه أسلم وله خمس سنين، وهذا أقل ما قيل في مقدار عمره.

واختلف في موضع قبره، فقيل: بالفرى وهو الموضع المشهور اليوم، وقيل: بمسجد الكوفة، وقيل: برحبة القصر بها وقيل: حمل إلى المدينة فدفن مع فاطمة صلوات الله عليها وسلامه، وكان أسمر عظيم البطن أصلع أبيض الرأس واللحية، أدعج عظيم العينين، ليس بالطويل ولا القصير، تملأ لحيته صدره، ولا يغير شيبه، وكان له من البنين أحد عشر، الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية - وأمه خولة بنت جعفر سبية - وعمر - أمه أم حببٍ الصهباء بنت ربيعة تغلبية -، والعباس - أمه أم البنين بنت خزام بن خالدٍ من بني عامر بن صعصعة -، وعبد الله يكنى أبا بكرٍ، وعثمان وجعفر ومحمد الأصغر، وقيل: هو الذي يكنى أبا بكرٍ، وعبيد الله ويحيى. المعقبون منهم خمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس عليهم السلام. وله من البنات ست عشرة: منهن زينب وأم كلثومٍ التي تزوجها عمر بن الخطاب، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وسلم، فالعقب للحسن بن علي عليهما السلام من زيد والحسن، والعقب لزيدٍ من الحسن بن زيدٍ، والعقب للحسن بن الحسن من جعفرٍ وداود وعبد الله والحسن وابراهيم. والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفرٍ وعليٍ وعونٍ وابراهيم، والعقب لجعفر بن محمدٍ من عبد الله، ولعلى بن محمدٍ من عونٍ، ولعون بن محمدٍ ولإبراهيم بن محمدٍ.

فأما أبو هاشمٍ عبد الله بن محمد بن الحنفيه وهو أكبر ولده، فقد ظن قوم أنه أعقب وليس الأمر كذلك. والعقب لمحمد بن علي بن أبي طالب من محمد ابن عمر، والعقب لمحمد بن عمر لعمر وعبد الله وجعفرٍ. والعقب للعباس من عبيد الله بن العباس، والعقب لعبيد الله من الحسين وعبد الله عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

ومما يروى أن معاوية كتب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ عليه السلام: إن لي فضائل، كان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين وكاتب الوحي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبالفضائل تفتخر علي يا ابن آكلة الأكباد؟ اكتب إليه يا غلام:

محمد النبي أخي وصهـري

 

وحمزة سيد الشهداء عمـي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

 

يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمدٍ سكني وعرسي

 

مشوب لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمدٍ ولداي منـهـا

 

فأيكم له سهم كسهـمـي؟

سبقتكم إلى الإسـلام طـراً

 

صغيراً ما بلغت أوان حلمي

فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب لا يقرؤه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالبٍ.

قرأت في كتاب الأمالي لأبي القاسم الزجاج قال: حدثنا أبو جعفرٍ أحمد بن محمد بن رستم الطبري صاحب أبي عثمان المازني قال: حدثنا أبو حاتمٍ السجستاني عن يعقوب بن إسحاق الخضري قال: حدثنا سعيد ين سلمٍ الباهلي قال: حدثني أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي، أو قال: عن جدي عن ابن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه قال: دخلت على أمير المؤمنين عليٍ بن أبي طالب عليه السلام، فرأيته مطرقاً مفكراً فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحناً فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية. فقلت: إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد أيامٍ فألقى إلى صحيفةً فيها: بسم الله الرحمن الرحيم: الكلام كله اسم وفعل وحرف، والاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسمٍ ولا فعلٍ. ثم قال لي: تتبعته وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشئ ليس بظاهرٍ ولا مضمرٍ. قال: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه وكان من ذلك حروف النصب، فكان منها إن وأن وليت ولعل وكأن ولم أذكر لكن. فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بل هي منها فزدها فيها. قال: أبو القاسم: قوله عليه السلام: الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهرٍ ولا مضمرٍ، فالظاهر رجل وفرس وزيد وعمرو وما أشبه ذلك، والمضمر نحو، أنا وأنت والتاء في فعلت والياء في غلامي والكاف في ثوبك وما أشبه ذلك. وأما الشيء الذي ليس بظاهرٍ ولا مضمرٍ فالمبهم، نحو هذا وهذه وهاتا وتا ومن وما والذي وأي وكم ومتى وأين وما أشبه ذلك.