باب العين - علي بن فضال بن علي

علي بن فضال بن علي

بن غالب بن جابر بن عبد الرحمن ابن محمد بن عمرو بن عيسى بن حسن بن زمعة بن هميم بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم - هكذا وجدته هميم والمعروف همام، وهو الفرزدق الشاعر، لأن ابن فضال يعرف بالفرزدقي - القيرواني النحوي أبو الحسن المجاشعي، هجر مسقط رأسه ورفض مألوف نفسه، وطفق يدوخ بسيط الأرض ذات الطول والعرض، يشرق مرةً ويغرب أخرى، ويركب القفار ويأوي إلى ظل الأمصار برهةً حتى ألم بغزنة فألقى عصاه بها، ودرت له أخلافها فلقى وجه الأماني، وصنف عدة تصانيف بأسامي أكابر غزنة سارت في البلاد، ثم عاد إلى العراق وانخرط في سلك خدمة نظام الملك مع أفاضل العراق، ولم تطل أيامه حتى نزل به حمامة، وكان إماماً في النحو واللغة والتصنيف والتفسيروالسير. صنف كتاب التفسير الكبير الذي سماه البرهان العميدي في عشرين مجلداً، وكتاب النكت في القران، وكتاب شرح بسم الله الرحمن الرحيم وهو كتاب كبير، وكتاب إكسير الذهب في صناعة الأدب والنحو في خمسة مجلداتٍ، وكتاب العوامل والهوامل في الحروف خاصةً، وكتاب الفصول في معرفة الأصول، وكتاب الإشارة في تحسين العبارة، وكتاب شرح عنوان الأعراب، وكتاب المقدمة في النحو، وكتاب العروض، وكتاب شرح معاني الحروف، وكتاب الدول في التاريخ. رأيت في الوقف السلجوقي ببغداد منه ثلاثين مجلداً ويعوزه شيءآخر، وكتاب شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب. وقيل إنه صنف كتاباً في تفسير القران في خمسٍ وثلاثين مجلداً سماه كتاب الإكسير في علم التفسير، وكتاب معارف الأدب كبير نحو ثمانية مجلداتٍ. وله غير ذلك من الكتب في فنونٍ من العلم، وأقام ببغداد مدةً وأقرأ بها النحو واللغة، وحدث بها عن جماعةٍ من شيوخ المغرب. وذكر هبة الله السقطي أنه كتب عن ابن فضالٍ أحاديث قال: فعرضتها على عبد الله بن سبعون القيرواني لمعرفته برجال الغرب فأنكرها وقال: أسانيدها مركبة على متونٍ موضوعةٍ، واجتمع عبد الله بن سبعون في جماعةٍ من المحدثين وأنكروا عليه فاعتذر وقال: إني وهمت فيها. وذكره عبد الغفار الفارسي فقال: ورد نيسابور واختلفت إليه فوجدته بحراً في علمه. ما عهدت في البلديين ولا في الغرباء مثله في حفظه ومعرفته وتحقيقه، فأعرضت عن كل شيء وفارقت المكتب ولزمت بابه بكرةً وعشيةً وكان على وقارٍ.

قال السمعاني: سمعت ابن ناصرٍ يقول: مات ابن فضالٍ في ثاني عشر ربيعٍ الأول سنة تسعٍ وسبعين وأربعمائةٍ، ودفن بباب أبرز، قال شجاع الذهلي: أنشدنا ابن فضالٍ لنفسه:

لا عذر للصب إذا لم يكـن

 

يخلع في ذاك العذار العذار

كأنـه فـي خـده إذ بــدا

 

ليل تبدى طالعاً من نهـار

تخاله جنح الـظـلام وقـد

 

صاح به ضوء صباحٍ فحار

وقال أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي: أنشدنا ابن فضالٍ لنفسه:

كأن بهرام وقد عارضـت

 

فيه الثريا نظر المبـصـر

ياقوته يعـرضـهـا بـائع

 

في كفه والمشتري مشتري

ومن شعره:

أخذ العلم عن رواية واجتلب الهدى

 

وإن كان راوية أخا عمـلٍ زارى

فإن رواة العلم كالنخـل يانـعـاً

 

كل التمر منه واترك العود للنار

قال عبد الغفار بن اسماعيل: وأنشدني ابن فضالٍ لنفسه:

يا يوسفي الجمال عبدك لم

 

يبق له حيلة من الحـيل

إن قد فيه القميص من دبرٍ

 

قد قد فيه الفؤاد من قبـل

وأنشد السمعاني بإسناده لعلي بن فضالٍ المجاشعي في ترجمة صاعد بن سيارٍ الهروي:

وإخوانٍ حسبتهـم دروعـاً

 

فكانوها ولكن لـلأعـادي

وخلتهم سهامـاً صـائبـاتٍ

 

فكانوها ولكن في فـؤادي

وقالوا: قد صفت منا قلوب

 

لقد صدقوا ولكن من ودادي

وأنشد له صاحب الوشاح في نظام الملك:

دوراس أيٍ مـا تـكـاد تـبــين

 

عفا هن دمع للسـحـاب هـتـون

وقفنا بها مستلهـمـين فـلـم يزل

 

لسان البلى عن عجمـهـن يبـين

وما خفت أن تبدى خفي سـرائري

 

مواثل أمثال الجـمـاجـم جـون

على حين عاصيت الصبا وهو طائع

 

وأرخصت علق اللهو وهو ثمـين

أرى المزن يهوى رسم من قد هويته

 

فلـي ولـه دمـع بـه وحـنـين

سقى الله حيث الظاعنون سحـائبـاً

 

فقلبي حيث الظاعـنـون رهـين

فكم ضمنت أحداجهـم مـن جـآذرٍ

 

أوانس ينـضـوهـا جـآذر عـين

وأقمار تمٍ لم ير الناس قـبـلـهـا

 

بدوراً تثنى تحـتـهـن غـصـون

يجردن من ألحاظهـن صـوارمـاً

 

مهنـدةً: أجـفـانـهـن جـفـون

وأنشد له:

والله إن الله رب الـعـبـاد

 

وخالص النية والإعـتـقـاد

ما زادني صـدك إلاهـوى

 

وسوء أفـعـالـك إلا وداد

وإنني منـك لـفـي لـوعةٍ

 

أقل ما فيها يذيب الجـمـاد

فكن كما شئت فأنت المنـى

 

واحكم كما شئت فأنت المراد

وما عسى تبلغه طـاقـتـي

 

وإنما بين ضلوعـي فـؤاد

ومما نقلته من السمعاني لابن فضالٍ:

فتنتنـي أم عـمـروٍ

 

وكذاك الصب مفتون

قلت: جودى لـكـئيبٍ

 

مستهامٍ بك محـزون

فلوت عني وقـالـت:

 

أترى ذا المرء مجنون

ما رأى الناس جميعـاً

 

في كتاب الله يتلـون

لن تنالوا البر حـتـى

 

تنفقوا مما تحـبـون؟

وفي كتاب سر السرور لابن فضالٍ:

ما هذه الألف التي قد زدتموا

 

فدعوتم الخوان بـالإخـوان

وزادني الحافظ شمس الدين أبو نصرٍ عبد الرحيم بن وهبان:

ما صح لي أحد فأجعلـه أخـاً

 

في الله محضاً أو ففي الشيطان

إما مولٍ عـن ودادي مـا لـه

 

وجه وإما من لـه وجـهـان

وحدث محمد بن طاهرٍ المقدسي وكان كما علمت وقاعةً في كل من انتسب إلى مذهب الشافعي لأنه كان حنبلياً. سمعت ابراهيم بن عثمان الأديب الغزي بنيسابور يقول: لما دخل أبو الحسن بن فضالٍ النحوي نيسابور واقترح عليه الأستاذ أبو المعالي بن الجويني أن يصنف باسمه كتاباً في النحو وسماه الإكسير وعده إن يدفع إليه ألف دينارٍ، فلما صنفه وفرغ منه ابتدأ بقراءته عليه، فلما فرغ من القراءة انتظر أياماً أن يدفع إليه ما وعده أو بعضه فلم يدفع شيئاً، فأنفذ إليه الأستاذ: عرضي فداؤك ولم يدفع إليه حبةً واحدةً. قلت أنا: وبلغني عقيب ذلك ورد بغداد وأقام بها ولم يتكلم بعد في النحو وصنف كتابه في التاريخ. ومن شعره الذي أورده السمعاني:

أحب النبي وأصـحـابـه

 

وأبغض مبغض أزواجه

ومهما ذهبتم إلى مذهـبٍ

 

فمالي سوى قصد منهاجه

قال السلفي: قال الرئيس أبو المظفر: أنشدني أبو القاسم ابن ناقيا في ابن فضالٍ المجاشعي المغربي قال: ودخلت دار العلم ببغداد وهو يدرس شيئاً من النحو في يومٍ باردٍ فقلت:

أليوم يوم قـارس بـارد

 

كأنه نحو ابن فـضـال

لا تقرءوا النحو ولا شعره

 

فيعتري الفالج في الحال