باب العين - علي بن محمد بن حبيب

علي بن محمد بن حبيب

الماوردي البصري، يكنى أبا الحسن، ويلقب أقضى القضاة، لقب به في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وجرى من الفقهاء كأبي الطيب الطبري والصيمري إنكار لهذه التسمية وقالوا: لا يجوز أن يسمى به أحد، هذا بعد أن كتبوا خطوطهم بجواز تقليب جلال الدولة بن بهاء الدولة ابن غضد الدولة بملك الملوك الأعظم، فلم يلتفت إليهم، واستمر له هذا اللقب إلى أن مات، ثم تلقب به القضاة إلى أيامنا هذه، وشرط الملقب بهذا اللقب: أن يكون دون منزلة من تلقب بقاضي القضاة إلى أيامنا هذه على سبيل الاصطلاح، وإلا فألا ولى أن يكون أقضى القضاة أعلى منزلة. ومات الماوردي في سنة خمسين وأربعمائة. وكان عالماً بارعاً متفنناً شافعياً في الفروع، ومعتزلياً في الأصول على مال بلغني والله أعلم. وكان ذا منزلة من ملوك بني بويه يرسلونه في التوسطات بينهم وبين من يناوئهم، ويرتضون بوساطته ويقفون بتقريراته. قرأت في كتاب سر السرور لمحمود النيسابوري هذين البيتين منسوبين إلى الماوردي هذا:

وفي الجهل قيل الموت موت لأهله

 

فأجسادهم دون القبـور قـبـور

إن أمر لم يحى بالعـلـم صـدره

 

فليس له حتى النشـور نـشـور

حدث محمد بن عبد الملك الهمداني، وحدثني أبي قال: سمعت الماوردي يقول: بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة، واختصرته في أربعين، يريد بالمبسوط كتاب الحلوى، وبالمختصر كتاب الإقناع، ودرس مكانه خمس سنين قال: ولم أر أوقر منه، ولم أسمع منه مضحكة قط، ولا رأيت ذراعه منذ صحبته إلى أن فارق الدنيا. قلت: وله تصانيف حسان في كل فن، ومنها: كتاب تفسير القرآن، كتاب الأحكام السلطانية، كتاب في النحو رأيته في حجم الإيضاح أو أكبر، كتاب قوانين الوزارة، كتاب تعجيل النصر وتسهيل الظفر.

قرأت في مجموع لبعض أهل البصرة: تقدم القادر بالله إلى أربعة من أئمة المسلمين في أيامه في المذاهب الأربعة، أن يصنف له كل واحد منهم مختصراً على مذهبه، فصنف له الماوردي الإقناع، وصنف له أبو الحسين القدوري مختصره المعروف على مذهب أبي حنيفة، وصنف له القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن نصر المالكي مختصراً آخر، ولا أدري من صنف له على مذهب أحمد، وعرضت عليه فخرج الخادم إلى أقضى القضاة الماوردي وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: حفظ الله عليك دينك، كما حفظت علينا ديننا. ومن هذا المجموع: كان أقضى القضاة - رحمه الله - قد سلك طريقه في ذوي الأرحام، يورث القريب والبعيد بالسوية، وهو مذهب بعض المتقدمين، فجاءه يوماً الشينيزي في أصحاب القماقم، فصعد إليه المسجد وصلى ركعتين والتفت إليه فقال له: أيها الشيخ، اتبع ولا تبتدع، فقال: بل أجتهد ولا أقلد، فلبس نعله وانصرف.