باب العين - علي بن محمد بن علي الفصيحي

علي بن محمد بن علي الفصيحي

أبو الحسن، من أهل أستراباذ وهي مدينة من طبرستان ورأس قصبتها، قرأ النحو على عبد القاهر الجرجاني، وأخذ عنه أبو نزار النحوي والحيص بيص الشاعر.

ومات فيما ذكره السلفي الحافظ يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة سنة ست عشرة وخمسمائة، وقدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته، ودرس النحو بالناظمية بعد الشيخ أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، ثم اتهم بالتشيع فقيل له في ذلك، فقال: لا أجحد، أنا متشيع من الفرق إلى القدم فأخرج من النظامية، ورتب مكانه الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي، فكان المتعلمون يقصدون داره التي انتقل إليها للقراءة عليه فقال لهم يوماً: داري بكرا، وخبزي بشرا، وقد جئتم تتدحرجون إلي، فاذهبوا إلى من عزلنا به.

وسمي بالفصيحي لكثرة دراسته كتاب الفصيح لثعلب وصار له به أنس، حتى أنه دخل يوماً على مريض يعوده، فقال شفاه، وسبق على لسانه: وأرخيت الستر، لاعتياده كثرة إعادته.

وقد روى الفصيحي عن أبي الحسن الخطيب الأقطع إنشاداً سمعه منه ابن سلفة الأصفهاني الحافظ ببغداد وقال: جالسته وسألته عن أحرف من العربية. وروى عنه في مشيخة بغداد وهو الذي عرفنا أن اسم أبيه محمد، وإلا فلا يعرف إلا بعلي بن أبي زيد الفصيحي فقط.

قرأت في كتاب سرعة الجواب ومداعبة الأحباب تصنيف الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل بخطه: أنشدني الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أبي زيد الفصيحي وقد عاتبته على الوحدة فقال:

اللـه أحـمـد شـاكـراً

 

فبلاؤه حسـن جـمـيل

أصبحت مستوراً مـعـا

 

فى بين أنعمـه أجـول

خلواً من الأحزان خـف

 

ف الظهر يقنعني القليل

حراً فـلا مـن لـمـخ

 

لوق علي ولا سـبـيل

لم يشقني حرص على الد

 

دنـيا ولا أمـل طـويل

سيان عندي ذو الغنى ال

 

متلاف والرجل البخـيل

ونفيت باليأس الـمـنـى

 

عني فطاب لي المقـيل

والناس كلـهـم لـمـن

 

خفت مئونتـه خـلـيل

ومن كتابه أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن أبي زيد في المذاكرة وقد رقي إليه كلام قبيح عن بعض أصدقائه فقال مستشهداً:

إني إذا ما الخليل أحدث لـي

 

صرماً ومل الصفاء أو قطعا

لا أحتسي ماءه علـى رنـق

 

ولا يراني لبينـه جـزعـا

أهجره ثم ينقضي زمـن ال

 

هجران عنا ولم أقل قذعـا

إحذر وصال اللـئيم إن لـه

 

عضهاً إذا حبل ذكره انقطعا

وقرأت بخط الشيخ أبي محمد بن الخشاب، قال الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد وقد جرى ذكر الشيخ أبي الحسن ابن أبي زيد الأستراباذي المعروف بالفصيحي صاحب عبد القاهر الجرجاني - رحمهم الله -، قال لي الشيخ أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي - رحمه الله -: إنه حضر معه أعني الفصيحي حلقة يباع فيها الكتب، فنودي على كتاب فيه شيء من مصنفات أبي طالب المفضل بن سلمة بن عاصم وراق الفراء وعليه اسم المفضل منسوباً إلى النحو، فقيل النحوي، فأخذه الفصيحي وناولنيه، يقوله أبو زكريا. وقال لي كلمستهزئ: النحوي، أي قد نسبته إلى النحو وهو عنده مقصر أي لا يستحق هذا الوصف. قال: فقلت: تكون أنت نحوياً ولا يكون المفضل منسوباً إلى النحو.

قال الشيخ أبو محمد: لا شبهة في أن الذي حمل الفصيحي على الغض بهذا القول من المفضل: أنه قد وقف على شيء من كلامه في بعض مصنفاته مما يتسمح به أهل الكوفة مما يراه أهل البصرة خطأ أو كالخطأ، وذاك مما لا يحتمله الفصيحي ولا شيخه عبد القاهر، ولا شيخه ابن عبد الوارث أبو الحسين فيغضوا عليه، لأن طريقتهم التي يسلكونها في الصناعة منحرفة عن طريقة المفضل ومن جرى في أسلوبه كل الانحراف.

قال الشيخ أبو محمد بن الخشاب: وعلي أنني قرأت أنا بخط المفضل في كتابه الذي سماه البارع في الرد على كتاب العين في اللغة أشياء تدل على قصوره في الصناعة وضعفه في قياسها، منها: أنه ذكر الحروف التي جاءت لمعان بعد أن ذكر أبنية الكلام فقال: والحد الثالث من الكلام الأحداث، وهي التي يسميها أهل البصرة حروف المعاني، فيها ما هو على ثلاثة أحرف نحو إن وليت وكيف وأين، فعد كما ترى كيف وأين في حروف المعاني وهذا سهل عندهم، ثم قال: ومنها ما هو على أربعة أحرف نحو حاشا ولولا، ومنها ما هو على خمسة أحرف نحو ما خلا وما عدا. وجعله الحرفين مع ما واحداً، وعده لهما فيما بني من أصول الكلم على خمسة أحرف من أفحش الخطأ وأنزله، ولو وفق لذكر لكن ومثل بها، فليس في حروف المعاني ما هو على خمسة أحرف سوى لكن. ومرت بي فيما قرأته بخطه أشياء غير هذا تجري في التسمح مجراه. قرأت بخط الشيخ أبي محمد بن الخشاب: كان أبو الحسن علي بن أبي زيد الأستراباذي المعروف بالفصيحي يوقل في الشجة التي تعرف عندهم بالمنقلة، وهي التي تنقل منها العظام إنها المنقله بكسر القاف، ويرى كونها على صيغة الفاعل لا المفعول هو الوجه، ولا يجيز غيره ويقول: الشجاج كلها إنما جاءت على صيغة الفاعل كالحارسة والدامية والدامعة والدامغة والباضعة والمتلاحمة والموضحة والمفرشة وأشباههن. قال: وكذا ينبغي أن تكون المنقلة بكسر القاف وكأنها عنده رواية عضدها قياس. قال: وكان شيخنا موهوب بن أحمد رضي الله عنه ينعى ذلك عليه ويعده تصحيفاً ويضبط اللفظة بفتح القاف على أنها صيغة مفعول ويكتب فوق القاف ما هذه صورته: فتح. ويقول: أي قياس مع الرواية هذا؟ وهي تنقل منها العظام فيتعلق أيضاً بالتفسير، ولعمري إن الأشهر فيها الفتح وهذا ذكره أبو عبيد وابن السكيت عن الأصمعي. قال: ثم المنقلة وهي التي يخرج منها العظام، وكان شيخنا موهوب رحمه الله يرى الكسر في قاف المنقلة تصحيفاً محضاً لا وجه له، على أن أبا محمد ابن درستويه قد حكى عنه الكسر كما قال الفصيحي.

قال: وقرأت بخط العبدري وأخبرني به في كتابه قال: سمعت محمد بن العال اللغوي يقول: رويت بالوجهين معاً. وحكى العبدري الكسر عن ابن درستويه أيضاً، ولست أدري هل تعلق الفصيحي فيما ذهب إليه بقول ابن درستويه أو غيره ممن لعله حكى الكسر أم لا؟ وهل رغب شيخنا موهوب عن الكسر بعد أن علم أنه قد حكي ولم يعتد بمكانة من حكاه أم لا؟ والأشبه أنه لا يكون بلغه، فإنه قلما كان يدفع قولاً لمتقدم ولو ضعف. وأنا أقول: إن النزاع في هذه اللفظة وشبهها المرجع فيه إلى محض الرواية عنهم، والمعول في ذلك على ما يضبطه الإثبات فيها، وقد قدمت أن من المشهور فيها الفتح كما قال شيخنا موهوب، ولا حجة له في أنهم فسروها بأنها تخرج منها العظام وتنقل، فإنا لو خلينا وهذا الحجاج ووكلنا في إثبات لغة الفتح إليه لكان للخصم أن يقول: إن الشجة وهي الضربة التي أدت إلى نقل العظام فهي المنقلة لأنها حملة على المنقل، ولا حجة لشيخنا الفصيحي أيضاً مع اشتهار الفتح فيها في حمله إياها على الفاعل من نظائرها، لأنهم قالوا في الآمة: المأمومة كما قال يصف ضربة:

يحج مأمومة في قعرها لجف

 

فاست الطبيب قذاها كالمغاريد

على أنه يمكن أن يتأول المأمومة على معنى: يحج هامة مأمومة، وقد قالوا في المشجوج نفسه مأموم وأميم، والظاهر أنه أراد الشجة، وقد جاء في الشجاج ما ليس على صيغة فاعل ولا مفعول السمحاق، فهل هذه إلا محض رواية في التسمية؟ وإن كان منقولاً، فاعرف ما قال شيخانا - رحمهما الله - وقلناه، ومن الله عز وجل نستمد التوفيق.

ومن خط ابن المتوكل: حدثني الشيخ الإمام الفصيحي قال: رأيت بعض الموسوسين في المارستان وفي إبهامه أثر الحناء دون أصابعه فقلت له: ما معنى الحناء في الإبهام دون سائر الأصابع؟ فأنشدني:

وخاضبة إبهامهـا دون غـيره

 

رأتني وقد أعيا علي تصبـري

فقلت لها: الإبهام ما اسم خضابه

 

فقالت: يسمى عضة المتفكـر