أبو القاسم أحد فضلاء المصريين وبلغائهم، مسلم ذلك له غير منازع فيه، وكان أبوه صيرفياً واشتهى هو الكتابة فمهر فيها، مات في أيام الصالح بن رزيك بعد خمسين وخمسمائة وقد اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر والخط، فإنه كتب خطاً مليحاً وسلك فيه طريقة غريبة، واشتغل بكتابة الجيش والخراج مدة، ثم استخدمه الأفضل بن أمير الجيوش وزير المصريين في ديوان المكاتبات ورفع من قدره وشهره، ثم إنه أراد أن يعزل الشيخ ابن أبي أسامة عن ديوان الإنشاء ويفرد ابن الصيرفي به، واستشار في ذلك بعض خواصه ومن يأنس به فقال له: إن قدرت أن تفدي ابن أبي أسامة من الموت يوماً واحداً بنصف مملكتك فافعل ذلك، ولا تخل الدولة منه فإنه جمالها، فأضرب عن ابن الصيرفي ومات الأفضل، وخدم المسمى بالخلافة بمصر، ولابن الصيرفي من التصانيف: كتاب الإشارة فيمن نال رتبة الوزارة، كتاب عمدة المحادثة، كتاب عقائل الفضائل، كتاب استنزال الرحمة، كتاب منائح القرائح، كتاب رد المظالم، كتاب لمح الملح، كتاب في السكر، وله غير ذلك من التصانيف، وله اختيارات كثيرة لدواوين الشعراء كديوان ابن السراج، وأبي العلاء المعري وغيرهما. ومن شعره قوله:
لما غدوت مليك الأرض أفضل من |
|
جلت مفاخره عن كـل إطـراء |
تغايرت أدوات النطق فيك عـلـى |
|
ما يصنع الناس من نظم وإنشـاء |
وله:
لا يبلغ الغاية القصوى بهـمـتـه |
|
إلا أخو الحرب والجرد السلاهيب |
يطوي حشاه إذا ما الليل عانـقـه |
|
على وشيج من الحظي مخضوب |
وله:
هذي مناقب قد أغـنـاه أيسـرهـا |
|
عن الذي شـرعـت آبـاؤه الأول |
قد جاوزت مطلع الجوزاء وارتفعت |
|
بحيث ينحط عنها الحوت والحمـل |
ولابن الصيرفي رسائل أنشأها عن ملوك مصر تزيد على أربع مجلدات.