باب العين - علي بن منصور بن طالب الحلبي

علي بن منصور بن طالب الحلبي

الملقب دوخلة يعرف بابن القارح، وهو الذي كتب إلى أبي العلاء رسالة مشهورة تعرف برسالة ابن القارح، وأجابه عنها أبو العلاء برسالة الغفران، يكنى أبا الحسن. قال ابن عبد الرحيم: هو شيخ من أهل الأدب شاهدناه ببغداد، راوية للأخبار وحافظاً لقطعة كبيرة من اللغة والأشعار قئوماً بالنحو، وكان ممن خدم أبا علي الفارسي في داره وهو صبي، ثم لازمه وقرأ عليه على زعمه جميع كتبه وسماعاته، وكانت معيشته من التعليم بالشام ومصر، وكان يحكي أنه كان مؤدباً لأبي القاسم المغربي الذي وزر ببغداد، لقاه الله سيئ أفعاله كذا قال.

وله فيه هجو كثير، وكان يذمه ويعدد معايبه، وشعره يجري مجرى شعر المعلمين، قليل الحلاوة خالياً من الطلاوة، وكان آخر عهدي به بتكريت في سنة إحدى وستين وأربعمائة فإنا كنا مقيمين بها، واجتاز بنا وأقام عندنا مدة ثم توجه إلى الموصل، وبلغتني وفاته من بعد، وكان يذكر أن مولده بحلب سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. ولم يتزوج ولا أعقب، وجميع ما أورده من شعره مما أنشدنيه لنفسه، فمنه في الشمعة:

لقد أشبهتني شمعة في صبابتي

 

وفي طول ما ألقى وما أتوقع

نحول وحرق في فناء ووحدة

 

وتسهيد عين واصفرار وأدمع

ومنه في هجو المغربي:

لقبت بالكمال ستراً عـلـى

 

نقصك كالباني على الخص

فصرت كالكنف إذا شـيدت

 

بيض أعلاهن بالـجـص

ياعرة الـدنـيا بـلا غـرة

 

ويا طويس الشؤم والحرص

قتلت أهليك وأنهبـت بـي

 

ت الله بالموصل تستعصي

وله في المداعبة:

أين من كان موضع الأير إجلا

 

لاً على الرأس عنده ويباس؟

أين من كان عارفاً بمـقـادي

 

ر الأيور الكبار مات الناس؟

وله:

يا رمحها العسال بل يا سيفها ال

 

قصال نارك لـيس تـخـبـو

يا عاقـد الـمـنـن الـرغـا

 

ب على الرقاب لهن سـحـب

كفـروك مـا أولـيتـهـــم

 

والرب يشـكـر مـا تـرب

وسئل أن يجيز قول الشاعر:

لعل الذي تخشاه يوماً به تـنـجـو

 

ويأتيك ما ترجوه من حيث لا ترجو

فقال:

فثق بحكيم لا مـرد لـحـكـمـه

 

فما لك في المقدور دخل ولا خرج

وكان بينه وبين الكسروي مهاترة ومهاجاة ومماظة، فمن قوله:

إذا الكسروي بدا مقبـلاً

 

وفي يده ذيل دراعتـه

وقد لبس العجب مستنوكاً

 

يتيه ويختال في مشيتـه

فلا يمنـعـنـك بـأواؤه

 

ضراطاً يقعقع في لحيته

وله:

الصيمري دقيق الفكر في اللقم

 

يقول كم عندكم لوناً وكم وكم؟

يسعى إلى من يرى إكثاراه وكذا

 

نراه ذاك وما هاذاك من عـدم

يلقى الوعيد بما يلقى البشوش به

 

وذاك والله بخل ليس بـالأمـم

قال: وحدثني قال: كنت أؤدب ولدي الحسين بن جوهر القائد بمصر، وكانا مختصين بالحاكم وآنسين به، فعملت قصيدة وسألت المسمى منهما جعفراً - وكان من أحسن الناس وجهاً ويقال: إن الحاكم كان يميل إليه - أن يوصلها ففعل وعرضها علي فقال: من هذا؟ فقال: مؤدبي. قال: يعطى ألف دينار. واتفق أن المعروف بابن مقشر الطبيب كان حاضراً فقال: لا تثقلوا على خزائن أمير المؤمنين، يكفيه النصف، فأعطيت خمسمائة دينار. وحدثني ابن جوهر بالحديث، وكانت القصيدة على وزن منهوكة؟ أبي نواس أقول فيها:

إن الزمان قـد نـضـر

 

بالحاكم الملـك الأغـر

في كفه عضـب ذكـر

 

فقد عدا على القـصـر

من غره على الـغـرر

 

يمضي كما يمضي القدر

في سرعة الطرف نظر

 

أو السحاب المنهـمـر

بادر إنـفـاق الـبــدر

 

بدر إذا لاح بـهـــر

وهي طويلة، واتفق أن الطبيب المذكور لحقته بعد هذا بأيام شقفة وهي التي تسمى التراقي، ويقال لها قملة النسر، فمات منها وكان نصرانياً فقلت:

لما غدا يستخف رضـوى

 

تيهاً وكبراً لجهـد ربـه

أصماه صرف الردى بسهم

 

عاجله قبل وقت نحـبـه

بشقفة بـين مـنـكـبـيه

 

رشاؤها في قليب قلـبـه