باب العين - علي بن هلال الكاتب

علي بن هلال الكاتب

المعروف بابن البواب أبو الحسن، صاحب الخط المليح والإذهاب الفائق. وجدت بخط ابن الشبيه العلوي الكاتب صاحب الخط الفائق في آخر ديوان أبي الطمحان القيني بخطه ما صورته: وكتب في صفر سنة عشرين وأربعمائة من خط أبي الحسن علي بن هلال الستري مولى معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، وهذا قد كان بغير شك معاصره. بلغني أنه كان في أول أمره مزوقاً بصور الدور ثم صور الكتب ثم تعانى الكتابة ففاق فيها المتقدمين وأعجز المتأخرين، وكان يعظ بجامع المنصور، ولما ورد فخر الملك أبو غالب محمد بن خلف الوزير والياً على العراق من قبل بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة جعله من ندمائه، وفي الجملة إنه لم يكن في عصره ذاك النفاق الذي له بعد وفاته، وذاك أنني وجدت رقعة بخطه قد كتبها إلى بعض الأعيان يسأله فيها مساعدة صاحبه ابن منصور، وإنجاز وعد وعده به لا يساوي دينارين، وقد بسط القول في ذلك استطلتها فإنها كانت نحو السبعين سطراً فألغيت إثباتها، وقد بيعت بسبعة عشر ديناراً إمامية، وبلغني أنها مرة أخرى بخمسة وعشرين ديناراً. مات فيما ذكره هلال بن المحسن بن الصابئ في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ودفن في جوار قبر أحمد بن حنبل وذلك في خلافة القادر بالله، ورثاه المرتضى بشعر أذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وحدث في كتاب المفاوضة قال: حدثني أبو الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب الكاتب قال: كنت أتصرف في خزانة الكتب لبهاء الدولة بن عضد الدولة بشيراز على اختياري وأراعيها له وأمرها مردود إلى، فرأيت يوماً في جملة أجزاء منبوذة جزءاً مجلداً بأسود قدر السكري ففتحته وإذا هو جزء من ثلاثين جزءاً من القرآن بخط أبي علي بن مقلة، فأعجبني وأفردته فلم أزل أظفر بجزء بعد جزء مختلط في جملة الكتب إلى أن اجتمع تسعة وعشرون جزءاً، وبقي جزء واحد استغرقت تفتيش الخزانة عليه مدة طويلة فلم أظفر به، فعلمت أن المصحف ناقص فأفردته ودخلت إلى بهاء الدولة وقلت: يا مولانا، ههنا رجل يسأل حاجة قريبة لا كلفة فيها، وهي مخاطبة أبي علي الموفق الوزير على معونته في منازعة بينه وبين خصم له، ومعه هدية ظريفة تصلح لمولانا. قال: أي شئ هي؟ قلت مصحف بخط أبي علي بن مقلة. فقال: هاته وأنا أتقدم بما يريد، فأحضرت الأجزاء فأخذ منها واحداً وقال: أذكر وكان في الخزانة ما يشبه هذا وقد ذهب عني، قلت: هذا مصحفك وقصصت عليه القصة في طلبتي له حتى جمعته إلا أنه ينقص جزءاً وقلت: هكذا يطرح مصحف بخط أبي علي؟ فقال: لي: فتممه لي. قلت: السمع والطاعة، ولكن على شريطة أنك إذا أبصرت الجزء الناقص منها ولا تعرفه أن تعطيني خلعة ومائة دينار. قال: أفعل. وأخذت المصحف من بين يديه وانصرفت إلى داري، ودخلت الخزانة أقلب الكاغد العتيق وما يشابه كاغد المصحف، وكان فيها من أنواع الكاغد السمرقندي والصيني والعتيق كل ظريف عجيب، فأخذت من الكاغد ما وافقني، وكتبت الجزء وذهبته وعتقت ذهبه، وقلعت جلداً من جزء من الأجزاء فجلدته به وجلدت الذي قلعت منه الجلد وعتقته، ونسي بهاء الدولة المصحف، ومضى على ذلك نحو السنة. فلما كان ذات يوم جرى ذكر أبي علي بن مقلة فقال لي: ما كتبت ذلك؟ قلت: بلى، قال: فأعطنيه: فأحضرت المصحف كاملاً فلم يزل يقلبه جزءاً جزءاً وهو لا يقف على الجزء الذي بخطي ثم قال لي: أيما هو الجزء الذي بخطك؟ قلت له: لا تعرفه فيصغر في عينك، هذا مصحف كامل بخط أبي علي بن مقلة ونكتم سرنا؟ قال: أفعل: وتركه في ربعة عند رأسه ولم يعده إلى الخزانة، وأقمت مطالباً بالخلعة والدنانير وهو يمطلني ويعدني، فلما كان يوماً قلت يا مولانا: في الخزانة بياض صيني وعتيق مقطوع وصحيح، فتعطيني المقطوع منه كله دون الصحيح بالخلعة والدنانير. قال مر وخذه فمضيت وأخذت جميع ما كان فيها من ذلك النوع فكتبت فيه سنين.

كان مزاحاً - وله في هذا الكتاب باب - وعلى بن هلال ووجدت في تاريخ أبي لبفرج بن الجوزي قال: اجتاز أبو الحسن البتي الكاتب و كان مزاحاً - وله في هذا الكتاب باب - وعي ابن هلال جالس على باب الوزير فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف ينتظر الإذن. فقال له البتي: جلوس الأستاذ على العتب رعاية للنسب. فغضب ابن البواب وقال: لو أن إلي أمراً ما مكنتك من دخول هذه الدار. فقال البتي: لا يترك الأستاذ صنعة الوالد بحال. ولبعضهم يهجو ابن البواب:

ماذا رأيتم من النساخ مـتـخـذاً

 

سبال لص على عثنون محتـال؟

هذا وأنت ابن بـواب وذو عـدم

 

فكيف لو كنت رب الدار والمال؟

وكان ابن البواب يقول شعراً ليناً. - ونقلته من خط الجويني أيضاَ قال: ونقلت من خطه أيضاً في ضمن رسالة - منه:

ولو أني أهديت ما هو فـرض

 

للرئيس الأجل من أمثـالـي

لنظمت النجوم عقـداً إذا رص

 

صع غيري جواهراً بـلآلـي

ثم أهـديتـهـا إلـيه وأقـرر

 

ت بعجزي في القول والأفعال

غير أني رأيت قدرك يعـلـو

 

عن نظير ومشبـه ومـثـال

فتفاءلت في الـهـدية بـالأق

 

لام علماً مني بصدق الـفـال

فاعتقدها مفاتح الشرق والغـر

 

ب صريعاً والسهل والأجبـال

فهي تستن إن جرين على القر

 

طاس بين الأرزاق والآجـال

فاختبرها موقعاً بـرسـوم ال

 

بر والمكرمات والإفـضـال

واحظ بالمهرجان وابل جديد الد

 

هر في نعمة بـغـير زوال

وابق للمجد صاعد الجد عـزاً

 

والرئيس الأجل نجم المعالـي

في سرور وغبـطة تـدع ال

 

حاسد منها مقطع الأوصـال

عضدتها السعود واستوطن الإق

 

بال فيها وسالمتها الـلـيالـي

أيها الماجد الكـريم الـذي يب

 

دأ بالعارفات فبـل الـسـؤال

إن آلاءك الجـزيلة عـنـدي

 

شرعت لي طريقة في المقال

أمنتني لديك من هجـنة الـر

 

رد وفرط الإضجار والإملال

وحقوق العبيد فرض على الس

 

سادة في كل موسم للمعالـي

وحياة الثناء تبقى علـى الـده

 

ر إذا ما انقضت حياة المـال

وكان تحت هذا الشعر بخط الجويني ما صورته: هذا شعر ابن البواب، وهو عورة سترها ذلك الخط، ولولا أن الإجماع واقع في أن الرجل يفتن بشعره وولده، لكان صاحب تلك الفضيلة يرتفع عن هذه النقيصة. وكتب تلميذه حسن ابن علي الجويني: ولقد عجبت ممن يزري على ذلك الشعر وهو القائل، ونقلته من خطه فقال: كتبت إلى المولى القاضي الأجل شرف الدين السديد عبد الله بن علي - أمتع الله الدنيا وأهلها ببقائه - وقد أبللت من مرضة صعبة:

عبد الإله الـسـديد حـقـاً

 

بغـير زور وغـير مـين

يا شـرف الـدين يا فـريداً

 

شرف بالفضـل دولـتـين

يا تاج فخري وكنز فقـري

 

ويا معيني ونـور عـينـي

قد كدت أقضي أسىً وأمضي

 

وكدت تبقى بـلا جـوينـي

وكتب حسن بن علي الجويني في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة بالديار المصرية - عمرها الله تعالى بدوام العز -: وقال المعري وضرب علي بن هلال مثلاً:

طربت لضوء البارق المتعالـي

 

ببغداد وهناً ما لهن ومـالـي؟

فيا برق ليس الكرخ داري وإنما

 

رمى بي إليه الدهر منذ ليالي

فهل فيك من ماء المعرة نغـبة

 

تغيث بها ظمآن ليس نسالـي؟

ولاح هلال مثل نون أجـادهـا

 

بماء النضار الكاتب ابن هلال

ومنها:

إذا لاخ إيماض سترت وجوهها

 

كأني عمرو والمطي سعا لي

هذا بيت مشكل التفسير بعيد المرمى، وذلك أن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة ولد العنبر والهجيم ومازن، تقول العرب إن هؤلاء الأخوة الثلاثة أمهم السعلاة وهي الغولة، وإن عمرو بن تميم تزوجها فولدت له هؤلاء الثلاثة.

ويقولون: إن السعلاة إذا رأت البرق طلبته، وكان عمرو يحفظها من البرق إذا لاح فيغطي وجهها، فغفل عنها مرة فلاح البرق فطلبته وقالت: يا عمرو أوصيك بولدك خيراً، ومضت ولم تعد إليه، فهذا معنى بيت المعري، وقد ضربه بعض المتأخرين أيضاً مثلاً، فقال يمدح رجلاً يعرف بابن بدر بجودة الخط فقال:

يا ابن بدر علوت في الخط قدراً

 

حينما قايسوك بـابـن هـلال

ذاك يحكي أباه في النقص لمـا

 

جئت تحكي أباك عند الكمـال

قرأت بخط سلامة بن عياض: رأيت بالري بخط علي بن هلال كتاب من نسب من الشعراء إلى أمه لأبي عبد الله بن الأعرابي، وهم خمسون شاعراً، وعلى ظهره: كتبه علي بن هلال في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثلاثمائة، وبعد البسملة: يرويه ابن عرفة عن ثعلب عن ابن الأعرابي، وفي آخره بخطه: نقلته من نسخة وجدت عليها بخط شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني النحوي - أيده الله -: بلغ عثمان بن جني نسخاً من أوله وعرضاً.

وكان لابن البواب يد باسطة في الكتابة أعني الإنشاء وفصاحة وبراعة، ومن ذلك رسالة أنشأها في الكتابة وكتبها إلى بعض الرؤساء ونقلتها من خط الحسن بن علي الجويني الكاتب أولها:

في سرور وغبـطة تـدع ال

 

حاسد منها مقطع الأوصـال

عضدتها السعود واستوطن الإق

 

بال فيها وسالمتها الـلـيالـي

أيها الماجد الكـريم الـذي يب

 

دأ بالعارفات فبـل الـسـؤال

إن آلاءك الجـزيلة عـنـدي

 

شرعت لي طريقة في المقال

أمنتني لديك من هجـنة الـر

 

رد وفرط الإضجار والإملال

وحقوق العبيد فرض على الس

 

سادة في كل موسم للمعالـي

وحياة الثناء تبقى علـى الـده

 

ر إذا ما انقضت حياة المـال

وكان تحت هذا الشعر بخط الجويني ما صورته: هذا شعر ابن البواب، وهو عورة سترها ذلك الخط، ولولا أن الإجماع واقع في أن الرجل يفتن بشعره وولده، لكان صاحب تلك الفضيلة يرتفع عن هذه النقيصة. وكتب تلميذه حسن ابن علي الجويني: ولقد عجبت ممن يزري على ذلك الشعر وهو القائل، ونقلته من خطه فقال: كتبت إلى المولى القاضي الأجل شرف الدين السديد عبد الله بن علي - أمتع الله الدنيا وأهلها ببقائه - وقد أبللت من مرضة صعبة:

عبد الإله الـسـديد حـقـاً

 

بغـير زور وغـير مـين

يا شـرف الـدين يا فـريداً

 

شرف بالفضـل دولـتـين

يا تاج فخري وكنز فقـري

 

ويا معيني ونـور عـينـي

قد كدت أقضي أسىً وأمضي

 

وكدت تبقى بـلا جـوينـي

وكتب حسن بن علي الجويني في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة بالديار المصرية - عمرها الله تعالى بدوام العز -: وقال المعري وضرب علي بن هلال مثلاً:

طربت لضوء البارق المتعالـي

 

ببغداد وهناً ما لهن ومـالـي؟

فيا برق ليس الكرخ داري وإنما

 

رمى بي إليه الدهر منذ ليالي

فهل فيك من ماء المعرة نغـبة

 

تغيث بها ظمآن ليس نسالـي؟

ولاح هلال مثل نون أجـادهـا

 

بماء النضار الكاتب ابن هلال

ومنها:

إذا لاخ إيماض سترت وجوهها

 

كأني عمرو والمطي سعا لي

هذا بيت مشكل التفسير بعيد المرمى، وذلك أن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة ولد العنبر والهجيم ومازن، تقول العرب إن هؤلاء الأخوة الثلاثة أمهم السعلاة وهي الغولة، وإن عمرو بن تميم تزوجها فولدت له هؤلاء الثلاثة.

ويقولون: إن السعلاة إذا رأت البرق طلبته، وكان عمرو يحفظها من البرق إذا لاح فيغطي وجهها، فغفل عنها مرة فلاح البرق فطلبته وقالت: يا عمرو أوصيك بولدك خيراً، ومضت ولم تعد إليه، فهذا معنى بيت المعري، وقد ضربه بعض المتأخرين أيضاً مثلاً، فقال يمدح رجلاً يعرف بابن بدر بجودة الخط فقال:

يا ابن بدر علوت في الخط قدراً

 

حينما قايسوك بـابـن هـلال

ذاك يحكي أباه في النقص لمـا

 

جئت تحكي أباك عند الكمـال

قرأت بخط سلامة بن عياض: رأيت بالري بخط علي بن هلال كتاب من نسب من الشعراء إلى أمه لأبي عبد الله بن الأعرابي، وهم خمسون شاعراً، وعلى ظهره: كتبه علي بن هلال في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثلاثمائة، وبعد البسملة: يرويه ابن عرفة عن ثعلب عن ابن الأعرابي، وفي آخره بخطه: نقلته من نسخة وجدت عليها بخط شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني النحوي - أيده الله -: بلغ عثمان بن جني نسخاً من أوله وعرضاً.

وكان لابن البواب يد باسطة في الكتابة أعني الإنشاء وفصاحة وبراعة، ومن ذلك رسالة أنشأها في الكتابة وكتبها إلى بعض الرؤساء ونقلتها من خط الحسن بن علي الجويني الكاتب أولها: قد افتتحت خدمة سيدنا الأستاذ الجليل - أطال الله بقاءه وأدام تمكينه وقدرته وتمهيده وكبت عدوه - بالمثال المقترن بهذه الرقعة افتتاحاً يصحبه العذر إلى جليل حضرته من ظهور التقصير فيه، والخلل البادي لمتأمليه، وقد كان من حقوق مجلسه الشريف أن يخدم بالغايات المرضية من كل صناعة، تأدياً لسؤدده وعلائه، وتصدياً للفوز بجميل رأيه، ولم يعد بي عن هذه القضية جهل بها، وقصور عن علمها، لكني هاجر لهذه الصناة منذ زمن طويل هجرة قد أورثت يدي حبسة ووقفة، حائلتين بينها وبين التصرف والافتتان والوفاء بشرط الإجادة والإحسان، ولا خفاء عليه - أدام الله تأييده - بفضل الحاجة ممن تعاطى هذه الصناعة إلى فرط التوفر عليها، والانصراف بجملة العناية إليها، والكلف الشديد بها، والولوع الدائم بمزاولتها، فإنها شديدة النفار، بطيئة الاستقرار، مطمعة الخداع، وشيكة النزاع، عزيزة الوفاء، سريعة الغدر والجفاء، نوار قيدها الأعمال، شموس قهرها الوصال، لا تسمح ببعضها إلا لمن آثرها بجملته، وأقيل عليها بكليته، ووقف على تألفها سائر زمنه، واعتاضها عن خله وسكنه، ولا يؤسيه حيادها، ولا يغره انقيادها، يقارعها بالشهوة والنشاط، ويوادعها عند الكلال والملال، حتى يبلغ منها الغاية القصية، ويدرك المنزلة العلية، وتنقاد الأنامل لتفتيح أزهارها، وجلاء أنوارها، وتظهر الحروف موصولة ومفصولة، ومعماة ومفتحة في أحسن صيغتها، وأبهج خلقتها، منخرطة المحاسن في سلك نظامها، متساوية الأجزاء في تجاورها والتيامها، لينة المعاطف والأرداف، متناسبة الأوساط والأطراف، ظاهرها وقور ساكن، ومفتشها بهج فاتن، كأنما كاتبها وقد أرسل يده وحث بها قلمه، رجع فيها فكره ورويته، ووقف على تهذيبها قدرته وهمته، القلب بها في حجر ناظره، والمعنى بها مظلوم بلفظه، وما ذهبت في هذه الخدمة مذهب المطرف المغرب بها، ولا المعول على شوافعها، لكن نهجت بها سبيلاً لأمثالها إقامة لرسم الخدمة المفروضة للسادة المنعمين على خدمهم وصنائعهم، فإن سعدت بنفاقها عليه وارتضائها لديه، سلمت من وصمة التضجيع والإهمال، وهجنة التقصير في شكر الإنعام والإفضال، ولسيدنا الجليل - أطال الله بقاءه - علو الرأي في الأمر بتسلم ما خدمت به، وتصريفه بين عالي أمره ونهيه إن شاء الله تعالى وحدث غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ في كتاب الهفوات قال: كان في الديوان كاتب يعرف بأبي نصر بن مسعود فلقي يوماً أبا الحسن علي ابن هلال البواب الكاتب ذا الخط المليح في بعض الممرات فسلم عليه وقبل يده. فقال له ابن البواب: الله الله يا سيدي ما أنا وهذا؟ فقال له: لو قبلت الأرض بين يديك لكان قليلاً. قال: لم؟ ولم ذاك يا سيدي؟ وما الذي أوجبه واقتضاه؟ قال: لأنك تفردت بأشياء ما في بغداد كلها من يشاركك فيها، منها الخط الحسن وأنه لم أر من عمري كاتباً من طرف عمامته إلى لحيته ذراعان ونصف غيرك. فضحك أبو الحسن منه وجزاه خيراً وقال له: أسألك أن تكتم هذه الفضيلة علي ولا تكرمني لأجلها. قال له: ولم تكتم فضائلك ومناقبك؟فقال له: أنا أسألك هذا فبعد جهد ما أمسك، وكانت لحية ابن البواب طويلة جداً.

قال المؤلف: وأما الشعر الذي رثاه به المرتضى فهو:

رديت يا بن هلال والردى عرض

 

لم يحم منه على سخط له البشر

ما ضر فقدك؟ والأيام شـاهـدة

 

بأن فضلك فيه الأنجم الزهـر؟

أغنيت في الأرض والأقوام كلهم

 

من المحاسن ما لم يغنه المطـر

فللقلوب التي أبهجتـهـا حـزن

 

وللعيون التي أقررتهـا سـهـر

وما لـعـيش إذا ودعـتـه أرج

 

ولا الليل إذا فارقـتـه سـحـر

وما لنا بعد أن أضحت مطالعنـا

 

مسلوبة منك أوضاح ولا غـرر