باب العين - عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد

عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد

ابن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الإمام الشهيد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب عليه السلام، يكنى أبا البركات من أهل الكوفة، إمام من أئمة النحو واللغة والفقه والحديث، مات فيما ذكره السمعاني في شعبان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة في أيام المقتفي، ودفن في المسبلة التي للعلويين، وقدر من صلى عليه بثلاثين ألفاً، وكان مولده في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، أخذ النحو عن أبي القاسم زيد بن علي الفارسي، عن أبي الحسين عبد الوارث، عن خاله أبي علي الفارسي، وأخذ عنه أبو السعادات بن الشجري، وأبو محمد بن بنت الشيخ.

قال السمعاني: وكان خشن العيش صابراً على الفقر، قانعاً باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، ولكني أفتي على مذهب السلطان - يعني أبا حنيفة -. سمع ببغداد أبا بكر الخطيب، وأبا الحسين بن الناقور، وبالكوفة أبا الفرج محمد بن علاء الخازن وغيره، ورحل إلى الشام وسمع من جماعة، وأقام بدمشق وحلب مدة قال: وحضرت عنده وسمعت منه، وكان حسن الإصغاء سليم الحواس، ويكتب خطاً مليحاً سريعاً على كبر سن، وكنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكور الخمس، وما سمعت منه في طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد أنكرته، غير أني كنت يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته، وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين، فوجدت فيها جزءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحي على خير العمل، فأخذته لأطالعه فأخذه من يدي وقال: هذا لا يصلح لك، وله طالب غيرك، ثم قال: ينبغي للعالم أن يكون عنده كل شيء، فإن لكل نوع طالباً.

وسمعت يوسف بن محمد بن مقلد يقول: كنت أقرأ على الشريف عمر جزءاً فمر بي حديث فيه ذكر عائشة فقلت: - رضي الله عنها - فقال لي الشريف: تدعو لعدة علي؟ أو تترضى على عدوة علي؟! فقلت: حاشا وكلا، ما كانت عدوة علي. وسمعت أبا الغنائم ابن النرسي يقول: كان الشريف عمر جارودي المذهب لا يرى الغسل من الجنابة، وسمعته يقول: دخل أبو عبد الله الصوري الكوفة فكتب بها عن أربعمائة شيخ، وقدم علينا هبة الله بن المبارك السقطي، فأفدته عن سبعين شيخاً من الكوفيين، وما بالكوفة اليوم أحد يروي الحديث غيري، ثم ينشد:

إني دخلت اليمنـا

 

لم أر فيها حسنـا

ففي حرام بـلـدة

 

أحسن من فيها أنا

قال المؤلف: وحكى أن أعرابيين مرا بالشريف عمر وهو يغرس فسيلاً، فقال أحدهما للآخر: أيطمع الشيخ مع كبره أن يأكل من جني هذا الفسيل؟! فقال الشريف: يا بني، كم من كبش في المرعى وخروف في التنور، ففهم أحدهما ولم يفهم الآخر، فقال الذي لم يفهم لصاحبه: إيش، قال؟ قال: إنه يقول: كم من ناب يسقى في جلد حوار، فعاش حتى أكل من ثمر ذلك الفسيل. وللشريف تصانيف، منها: كتاب شرح اللمع.

وكان إبراهيم بن محمد أبو الشيخ أبي البركات أيضاً شاعراً أديباً ذا حظ من النحو واللغة، وهو مذكور في بابه. قال تاج الإسلام: سمعت عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي يقول: لما خرجنا من طرابلس الشام متوجهين إلى العراق، خرج لوداعنا الشريف أبو البركات بن عبيد الله العلوي الحسني، وودع صديقاً لنا يركب البحر إلى الإسكندرية، فرأيت خالك يتفكر فقلت له: أقبل على صديقك، فقال لي: قد عملت أبياتاً اسمعها، فأنشدني في الحال:

قربوا للنوى القوارب كـيمـا

 

يقتلوني ببينـهـم والـفـراق

شرعوا في دمي بتشديد شـرع

 

تركوني من شدها في وثـاق

قلعوا حين أقلعـوا لـفـؤادي

 

ثم لم يلبثوا لقـدر الـفـواق

ليتهم حين ودعونـي وسـاروا

 

رحموا عبرتي وطول اشتياقي

هذه وقفة الفراق فـهـل أح

 

يا ليوم يكون فيه التـلاقـي؟

قال في تاريخ الشام: حكى أبو طالب بن الهراس الدمشقي - وكان حج مع أبي البركات -: أنه صرح له بالقول بالقدر وخلق القرآن، فاستعظم أبو طالب ذلك منه وقال: إن الأئمة على غير ذلك، فقال له: إن أهل الحق يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بأهله، قال: هذا معنى حكاية أبي طالب.