باب العين - عمر بن عثمان بن الحسين بن شعيب الجنزي

أبو حفص، من أهل ثغر جنزة، ذكره عبد الكريم السمعاني فقال: هو أحد أئمة الأدب، وله باع طويل في الشعر والنحو، ورد بغداد وأقام بها مدة، وصحب الأئمة واقتبس منهم، وأكثر ما قرأ الأدب على أبي المظفر الأبيوردي ثم رجع إلى بلده وعاد ثانياً إلى بغداد، وذاكر الفضلاء بها وبالبصرة وخوزستان، وبرع في العلم حتى صار علامة زمانه، وأوحد عصره وأوانه، وكان غزير الفضل وافر العقل، حسن السيرة كثير العبادة، متودداً سخي النفس، صنف التصانيف وجمع الجموع، وشرع في إملاء تفسيره - لو تم لم يوجد مثله - سمع بهمذان عبد الرحمن الدوني، كتبت عنه بمرو وأنشدني لنفسه:

أحادي عيسى إن بلغت مقـامـي

 

فبلغ صحابي لاعدمت سلامـي

وخبرهم عما أعاني من الجـوى

 

ومن لوعتي في هجرهم وسقامي

وقل لهم: إني متى ما ذكرتـكـم

 

غصصت لذكراكم بكل طـعـام

وإن دموعي كلما لاح كـوكـب

 

ترقرق في خدي كصوب غمـام

وإن هب من أرض الحبيب نسيمه

 

تقلقل أحشائي وهاج غـرامـي

وإن غردت وهناً حـمـامة أيكة

 

أحنت بنوحي لحن كـل حـمـام

وله:

قالت وخطتك شيبة كـالـعـين

 

كم تذرف عيناك ذروف العين؟

قد قلت لها: أيا سواد الـعـين

 

يزداد من الثلوج ماء العـين؟

العين الأولى: الطليعة، ومات الجنزي في رابع عشر ربيع الآخر سنة خمسين وخمسمائة للهجرة بمرو، وقد جاوز السبعين. وذكره أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي في كتاب الوشاح فقال: هو إمام في النحو والأدب لا يشق فيهما غباره، ومع ذلك فقد تحلى بالورع ونزاهة النفس، لكن الزمان عانده، وما بسط في أسباب معاشه يده، جاس خلال الديار وقال: أدركت زمان الأشج، ورأيت مصلاه في طنجة المغرب، إلا أني لم أمكث حتى أراه، وأدب بنيسابور أولاد الوزير فخر الملك، ثم ارتحل من نيسابور في شهور سنة خمس وأربعين وخمسمائة للهجرة ثم لم يعد إليها، وقضى نحبه بعد انتقاله من نيسابور بأيام قلائل، وأنشد له قصيدة واحدة في مدح الإمام محمد بن حمويه منها:

ألم تذكر رابعاً بعسفان عـامـراً

 

وبيضاً يودعـن الأحـبة خـردا

يشعثن بالعناب ضغث بنـفـسـج

 

ويضربن بالأسروع خداً مـوردا

كأن النوى لم تلق غير جوانحـي

 

ومقلتي العبرى مراداً ومـوردا

وتذري على الورد الجمان بنرجس

 

حمته بنان تترك الصب مقصـدا

حكى خدها دمعي وقلبي قلبـهـا

 

وحاجبها قدي لـمـا قـد تـأودا

وإن بخلت عيني وضنت بمـائهـا

 

إذاً جاد قلبي بالدمـاء وأنـجـدا

وأبدع منه أن حـر أضـالـعـي

 

ولوعاتها تغلى التراب المـبـردا

وشابهتها إذ عرضت فـي ثـلاثة

 

تزيد لها حسناً وتورثنـا الـردى

وتصعد من صدري رياح بـوارد

 

إذا أنا ذكرت اللوى متـنـهـدا

قرأت بخط أبي سعد: أنشدنا أبو حفص عمر بن عثمان الجنزي لنفسه يعزي الكمال المستوفي بزوجته:

إذا جل قدر المرء جل مصاب

 

وكل جليل بالجلـيل يصـاب

يروح الفتي في غفلة عن مآله

 

ويشغله عنه هوى وشـبـاب

فلم يتفكر أن من عاش مـيت

 

وأن الذي فوق الترب تـراب

وأن ثراءً يقتنـيه مـشـتـت

 

وأن بناء يبـتـنـيه خـراب

ونعمة ذي الدنيا بلاء ومحـنة

 

وماذيها سم يضـر وصـاب

وفرحتها عند الأكايس تـرحة

 

وسلسالها للأولـياء سـراب

فلا يخدعن المرء نعمى حلالها

 

حساب عليه والحرام عقـاب

وللدهر مستوف عليهم مناقش

 

له مع أهل الخافقين خطـاب

على كل نفس مشرفان لربـه

 

غداً لهما فيما أتتـه كـتـاب

وهي طويلة.