الصولي، كنيته أبو الفضل، من جلة كتاب المأمون وأهل الفضل والبراعة والشعر منهم. وذكر الجهشياري: أن مسعدة كان مولى خالد بن عبد الله القسري، وأنه كان يكتب لخالد وكان بليغاً كاتباً، مات في سنة أربع عشرة ومائتين، وقيل في سنة سبع في أيام المأمون. وكان مسعدة من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب وزير المنصور على ديوان الرسائل.
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله. كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يا مجاشع بن مسعده |
|
أن الشباب والفراغ والجده |
مفسدة للمرء أي مفسده |
|
|
ومسعود، وعمرو، ومحمد. وقد ذكر أن المنصور قال يوماً لكتابه: اكتبوا لي تعظيم الإسلام، قال: فبدر مسعدة فكتب: الحمد لله الذي عظم الإسلام واختاره، وأوضحه وأناره، وأعزه وأنافه، وشرفه وأكمله، وتممه وفضله، وأعزه ورفعه، وجعله دينه الذي أحبه واجتباه، واستخلصه وارتضاه، واختاره واصطفاه، وجعله الدين الذي تعتد به ملائكته، وأرسل بالدعاء إليه أنبياءه، وهدى له من أراد إكرامه وإسعاده من خلقه، فقال جل من قائل: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال جل وعلا: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه). وقال: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل). فبهذا الإسلام والدخول فيه والعلم به، وأداء شرائعه، والقيام بمفروضاته، وصلت ملائكته ورسله إلى رضوان الله ورحمته، وجواره في جنته، وبه تحرزوا من غضبه وعقوبته، وأمنوا نكال عذابه وسطوته. فقال المنصور: حسبك يا مسعدة، اجعل هذا صدر الكتاب إلى أهل الجزيرة بالإعذار والإنذار. وأما عمرو بن مسعدة: ففضله شائع، ونبله ذائع، أشهر من أن ينبه عليه، أو يدل بالوصف إليه، قد ولي للمأمون الأعمال الجليلة، وألحق بذوي المراتب النبيلة، وسماه بعض الشعراء وزيراً لعظم منزلته، لا لأنه كان وزيراً وهو قوله.
لقد أسعد الله الوزير ابن مسعـده |
|
وبث له في الناس شكراً ومحمده |
في أبيات. فحدث إسماعيل بن أبي محمد الزيدي قال: كان عمرو بن مسعدة أبيض أحمر الوجه، وهو من أولاد صول الأكبر جد محمد بن صول بن صول، وقد ذكرت أصلهم في أخبار إبراهيم بن العباس من هذا الكتاب، وكان المأمون يسميه الرومي لبياض وجهه. ووصف الفضل بن سهل بلاغة عمرو بن مسعدة فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد إذا سمع كلامه ظن أنه يكتب مثله، فإذا رامه بعد عليه، وهذا كما قيل لجعفر بن يحيى: ما حد البلاغة؟ فقال: التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يقدر على مثلها، فإذا رامها استصعبت عليه.
وحدث العباس بن رستم قال: كان لعمرو بن مسعدة فرس أدهم أغر، لم يكن لأحد مثله فراهة وحسناً فبلغ المأمون خبره، وبلغ عمرو بن مسعدة ذلك، فخاف أن يأمر بقوده إليه فلا يكون له فيه محمدة، فوجه به إليه هدية وكتب معه:
يا إمامـاً لا يدانـي |
|
ه إذا عـد إمــام |
فضل الناس كما يف |
|
ضل نقصاناً تمـام |
قد بعثنـا بـجـواد |
|
مثـلـه لـيس يرام |
فرس يزهى به لـل |
|
حسن سرج ولجـام |
دونه الخيل كمـا دو |
|
نك في الفضل الأنام |
وجهه صبح ولكـن |
|
سائر الجسم ظـلام |
والذي يصلح للمـو |
|
لى على العبد حرام |
وكتب عمرو بن مسعدة إلى الحسن بن سهل أما بعد: فإنك ممن إذا غرس، وإذا أسس بني، ليستتم تشييد أسه، ويجتني ثمار غرسه، وثناؤك عندي قد شارف الدروس، وغرسك مشف على اليبوس، فتدارك بناء ما أسست، وسقي ما غرست إن شاء الله تعالى.
وحدث الصولي قال: لما مات عمرو بن مسعدة رفع إلى المأمون أنه خلف ثمانين ألف درهم فوقع على الرقعة: هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيه. وعمرو القائل في رواية المرزباني:
ومستعذب للهجر، والوصل أعذب |
|
أكاتمه حبي فـينـأى وأقـرب |
إذا جدت مني بالرضا جاد بالجفا |
|
ويزعم أني مذنب وهـو أذنـب |
تعلمت ألوان الرضا خوف هجره |
|
وعلمه حبي له كيف يغـضـب |
ولي غير وجه قد عرفت طريقه |
|
ولكن بلا قلب إلى أين أذهـب؟ |
قال: وهذان البيتان الأخيران متنازعان