باب الفاء - فاطمة بنت الأقرع الكاتبة

فاطمة بنت الأقرع الكاتبة

وجدت بخطها رقعة هذه نسختها: الأمة الكاتبة.

بسم الله الرحمن الرحيم: ثقتي بالله وحده، خشعت لصولة عز المجلس العالي العادلي المؤيدي المظفري المنصوري العزي السعدي الركني النصيري المجدي الشرفي الأميري - أعز الله أنصاره -، وضاعف اقتداره عقب الدهور، وانقادت لمشيئته تصاريف الأمور، وامتدت إلى نواله آمال السؤال، وأناخت بفنائه رواحل الرجال. فما إنسان إلا موفور ببره، ولا لسان إلا مسبح بشكره، ولا آمل إلا مصروف إليه، فأعطاه الله تعالى من الآمال في نفسه وذويه مالا يرنو إليه طرف، ولا يأتي عليه وصف:

حتى تسير مسير الشمس رايتـه

 

وتعتلي باسمه العالي على القمر

ويختم الأرض طراطين خاتمـه

 

ويغتدي أمره أمضى من القدر

ومن بعد: فقد ذهبت - أطال الله بقاء المجلس العالي وأعز سلطانه -، في درج قد قرنته بهذه الرقعة - مذهب المطرف المعجب، وهو مما لم أسبق إلى مثله من مقدمي أهل هذه الصناعة من الذكور دون الإناث، أظهرت فيه المعجز من عاجز، والكامل من ناقص، كما قال قابوس بن وشمكير، وقد يستعذب الشريب من منبع الزعاق، ويستطاب الصهيل من مخرج النهاق. جعلت في ذلك إقبال المجلس العالي - ضاعف الله اقتداره - قائداً إلى طرق الرشاد، وعز سلطانه هادياً مبصراً إلى سبل الإصابة والمراد، وأظهرت الحروف مفصولة وموصولة ومعماة ومفتحة في أحسن صيغها وأبهج خلقها، منخرطة المحاسن في سلك نظامها، متساوية الأجزاء في تجاورها والبناء. فهي لينة المعاطف والأرداف، متناسبة الأوساط والأطراف، ظاهرها وقور ساكن، ومفتشها رهج مائن، وإن استخدمت إلى مهم يسنح، أوفيت فيه على كل مرتسم في هذا الشأن قديماً وحديثاً، وسالفاً وآنفاً، أؤمل بذلك الحظوة من إحماده وجميل رعايته، سمع الله سبحانه فيه كل دعاء مستجاب من الأمة الكاتبة، ومن يتعلق عليها من وليدة ومولود، وشريف ومشروف، وعجوز داعية، وأمة خادمة لما يوليها وينعم عليها، ويعرف موضع خدمتها، ومحل صنعتها، - لا سلبها الله وسائر الخلق ظله بمنه -، قد ترادف الإنعام عليها دفعة واحدة بعد أخرى، وثانية بعد أولى، على يد الشيخ الأجل السيد فخر الكفاءة أبي الحسين - أدام الله تأييده - وتولى عني من غير حق عارفته، ما لا يقوم بوسعه ألسنة القائلين، وشكر الشاكرين، فإذا أنعم على ما أصدرته من الخدم بلحظة، وأحسن إليه بلمحة، أدركت حظي وحزنت أملي، والرأي السامي في إجابتي إلى ما سألت، وإثباتي في جملة المغمورين بالإحسان من الأدباء والحشم والعبيد والخدم، علوه وشرفه أن شاء الله تعالى.

ترجمة ثانية فاطمة بنت الحسن بن علي العطار

أم الفضل المعروفة بابنة الأقرع الكاتبة، صاحبة الخط المليح المعروف، ماتت فيما ذكره تاج الإسلام ومن خطه نقلت - قاله المؤلف عن أبي الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي الحافظ - في يوم الأربعاء الحادي والعشرين من المحرم من شهور سنة ثمانين وأربعمائة. قال السمعاني: وكان لها خط مليح حسن، وهي التي أهلت لكتابة كتاب الهدنة إلى ملك الروم من الديوان العزيز، وسافرت إلى بلاد الجبل إلى العميد أبي نصر الكندري. وكتب الناس على خطها، وكانت تكتب طريقة ابن البواب، سمعت أبا عمر عبد الواحد بن عبد الله بن مهدي الفارسي وغيره. سمع منها أبو القاسم مكي بن عبد الله الزميلي الحافظ.

وروى عنها أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي، وأبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي ببغداد، وأبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي الحافظ بأصبهان وغيرهم. سمعت أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزار العروضي يقول: سمعت الكاتبة بنت الأقرع تقول: كتبت ورقة لعميد الملك أبي نصر الكندري وأعطاني ألف دينار.

أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الحافظ بقراءتي عليه، أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن علي العطار المقرئ قالت: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا ابن فضيل، حدثنا الأعمش عن عبد العزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). أنشدنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الحافظ الأشعبي، أنشدتنا الكاتبة أم الفضل فاطمة بنت الحسن بن علي المقرئ قالت: أنشدنا أبو القاسم المطرز في ديارنا بقطيعة الربيع لنفسه:

سرى مغرماً بالعيس ينتجع الركـبـا

 

يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا

إذا ملأ البـدر الـعـيون فـعـنـده

 

لعينك بدر يملأ العين والـقـلـبـا

ولما هوى دمعـي لـيوم فـراقـه

 

عقيقاً تهاوى دمعه لؤلـؤاً رطـبـا

إذا لم تبلغـنـي إلـيكـم ركـائبـي

 

فلا وردت ماءً ولا رعت العشـبـا