باب الكاف - كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر

كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر

قد ذكرنا أخباره مستوفاة في كتابنا أخبار الشعراء، وأما نسبه فهو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش ابن أوس بن مسعود بن عبد الله بن عمرو الشاعر بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب ابن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. وعمرو بن كلثوم المذكور في أجداده هو شاعر السبع الطوال، وكنية العتابي أبو عمرو، وأصله من الشام من أرض قنسرين، صحب البرامكة ثم صحب طاهر بن الحسين، وعلي بن هشام القائدين. وكان حسن الاعتذار في رسائله وشعره، يشبه في المحدثين بالنابغة في الجاهلية، فمن ذلك قوله في جعفر بن يحيى وقد كان بلغ الرشيد عنه ما أهدر به دمه، فخلصه جعفر فقال فيه:

ما زلت في غمرات الموت مطرحاً

 

يضيق عني فسيح الرأي من حيلي

فلم تزل دائباً تسعى بلطـفـك لـي

 

حتى اختلست حياتي من يدي أجلي

قال محمد بن إسحاق النديم: وكان العتابي أديباً مصنفاً، وله من الكتب: كتاب المنطق، كتاب الآداب، كتاب فنون الحكم، كتاب الخليل لطيف، كتاب الألفاظ رواه أبو عمر الزاهد عن المبرد عنه.

قال العتابي: وقفت بباب المأمون أنتظر من يستأذن لي عليه فإذا أنا بيحيى بن أكثم فقلت: استأذن لي على أمير المؤمنين. قال: لست بحاجب. قلت: صدقت، ولكنك ذو فضل وذو الفضل معوان. قال: سلكت بي غير سبيلي. قلت: إن الله أتحفك بجاه وهو عليك مقبل بالزيادة إن شكرت، وبالتغيير إن كفرت، وأنا لنفسك خير منك لها، أدعوك إلى زيادة النعمة وبقائها عليك فتأباها. قال: فدخل على المأمون وحكى له ما جرى بيني وبينه، فاستحسنه وأذن لي.

قال جحظة في أماليه: كلم العتابي يحيى بن خالد في حاجة له كلمات قليلة. فقال له يحيى: لقد نزر كلامك اليوم وقل. فقال: له وكيف لا يقل وقد تكنفني ذل المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد؟ فقال له يحيى: لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده. وقال في أماليه: قال العتابي: لو سكت من لا يعلم عما لا يعلم سقط الاختلاف. ومن شعره.

ولو كان يستغني عن الشكر ماجد

 

لعزة ملك أو عـلـو مـكـان

لما أمر الله العبـاد بـشـكـره

 

فقال اشكروا لي أيها الثقـلان

قال الحسن بن وهب: بلغ العتابي أن عمرو بن مسعدة ذكره عند المأمون بسوء فقال:

قد كنت أرجو أن تكون نصيري

 

وعلى الذي يبغي على ظهيري

وطفقت آمل ما يرجى سـيبـه

 

حتى رأيت تعلقـي بـغـرور

فحضرت قبرك ثم قلت دفنتـه

 

ونفضت كفي من ثرى المقبور

ورجعت مفترياً على الأمل الذي

 

قد كان يشهد لي عليك بـزور

فبلغ الشعر عمراً فركب من وقته إلى العتابي في موكبه حتى اعتذر إليه.

قال مالك بن طوق للعتابي: أما ترى عشيرتك - يعني بني تغلب - كيف تدل علي وتستطيل وأنا أصبر؟ فقال العتابي: أيها الأمير، إن عشيرتك من أحسن عشرتك، وإن ابن عمك من عمك خيره، وإن قريبك قرب منك نفعه، وإن أحب الناس إليك من كان أخفهم ثقلا عليك، وأنشده

إني بلوث الناس في حالاتـهـم

 

وخبرت ما وصلوا من الأنساب

فإذا القرابة لا تقرب قاطـعـاً

 

وإذا المودة أوكـد الأسـبـاب

وقيل للعتابي لو تزوجت. فقال: إني وجدت مكابدة العفة خير من الاحتيال لمصلحة العيال، وما أحسن قول العتابي وأحكمه.

لوم يعيذك من سوء تـقـارفـه

 

أبقي لعرضك من قول يداجيكا

وقد رمى بك في تيهاء مهلـكة

 

من بات يكتمك العيب الذي فيكا

ومن منثور كلامه: أما بعد: فإنه ما من مستخلص غضارة عيش إلا من خلال مكروه، ومن انتظر بمعالجة الدرك مواجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصتها.

وكتب إلى آخر: من اجتمع فيه من خلال الفضل ما اجتمع فيك وانحاز إلى نواحيك، لم يخش المطنب في الثناء عليه أن يكون مفرطا كما لا يأمن أن يكون مفرطاً، فالاعتراف بالعجز عن بلوغ استحقاقك من التقريظ، أولى من الإطناب الذي غايته التقصير ومآله إلى الحشو.