باب اللام - الليث بن المظفر

الليث بن المظفر

كذا قال الأزهري في مقدمة كتابه: الليث بن المظفر. وقال ابن المعتز في كتاب الشعراء من تصنيفه: الليث بن رافع بن نصر بن سيار قال الأزهري: ومن المتقدمين الليث بن المظفر الذي نحل الخليل بن أحمد تأليف كتاب العين حملة لينفق كتابه باسمه ويرغب فيه من حوله، وأثبت لنا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الفقيه أنه قال: كان الليث رجلاً صالحاً، ومات الخليل ولم يفرغ من كتاب العين فأحب الليث أن ينفق الكتاب كله فسمى لسانه الخليل، فإذا رأيت في الكتاب سألت الخليل أو أخبرني الخليل، فإنه يعني الخليل نفسه. قال: وإذا قال: قال الخليل فإنما يعني لسان نفسه. قال: وإنما وقع الاضطراب فيه من خليل الليث. قال: وأخبرني المنذري أنه سأل ثعلباً عن كتاب العين فقال: ذاك كتاب مليء غدد - قال: وهذا لفظ أبي العباس، وحقه عند النحويين ملآن غدداً، ولكن كان أبو العباس يخاطب العامة على قدر فهمهم. قلت: ليس هذا بعذر لأبي العباس فإنه لو قال: ملآن غدداً لم يخف معنى الكلام على صغار العامة، فكيف وفي مجلسه الأئمة من أهل العلم؟ ثم سائله الذي أجابه ليس بتلك الصورة، وإنما عذره أنه كان لا يتكلف الإعراب في المفاوضة وهي سنة جلة العلماء - وأراد أن في جراب العين حروفاً كثيرة قد أزيلت عن صورها ومعانيها بالتصحيف والتغيير فهي تضر حافظها كما تضر الغدد آكلها.

قال أبو الطيب اللغوي: مصنف كتاب العين الليث ابن المظفر بن نصر سيار، روى ذلك عن أبي عمر الزاهد قال: حدثني فتى قدم علينا من خراسان وكان يقرأ على كتاب العين قال: أخبرني أبي عن إسحاق بن راهويه قال: كان الليث بن المظفر بن نصر بن سيار صاحب الخليل رجلاً صالحاً، وكان الخليل قد عمل من كتاب العين باب العين فأحب الليث أن ينفق سوق الخليل، ثم ذكر كما ذكر الأزهري.

وحدث عبد الله بن المعتز في كتاب الشعراء عن الحسن ابن علي المهلبي قال: كان الخليل منقطعاً إلى الليث بن رافع ابن نصر بن سيار، وكان الليث من أكتب الناس في زمانه، بارع الأدب بصيراً بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتباً للبرامكة وكانوا معجبين به، فارتحل إليه الخليل وعاشره فوجده بحرا فأغناه، وأحب الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه، فاجتهد الخليل في تصنيف كتاب العين فصنفه له، وخصه به دون الناس وحبره وأهداه إليه، فوقع منه موقعاً عظيماً وسر به، وعوضه عنه مائة ألف درهم واعتذر إليه، وأقبل الليث ينظر فيه ليلاً ونهاراً لا يمل النظر فيه حتى حفظ نصفه، وكانت ابنة عمه تحته، فاشترى الليث جارية نفيسة بمال جليل فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة فقالت: والله لأغيظنه ولا أبقي غاية، فقالت: إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي به، لكني أراه مكباً ليله ونهاره على هذا الدفتر، والله لأفجعنه به، فأخذت الكتاب وأضرمت ناراً وألقته فيها، وأقبل الليث إلى منزله ودخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب فصاح بخدمه وسألهم عن الكتاب فقالوا: أخذته الحرة، فبادر إليها وقد علم من أين أتي؟، فلما دخل عليها ضحك في وجهها وقال لها: ردي الكتاب فقد وهبت لك الجارية وحرمتها على نفسي، وكانت غضبى فأخذت بيده وأدخلته رماده فسقط في يد الليث، فكتب نصفه من حفظه، وجمع على الباقي أدباء زمانه وقال لهم: مثلوا عليه واجتهدوا، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس، فهو ليس من تصنيف الخليل ولا يشق غباره، وكان الخليل قد مات.

وجدت على ظهر جزء من كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري:

ابـن دريد بـقــره

 

وفيه عجب وشـره

ويدعي بـجـهـلـه

 

وضع كتاب الجمهره

وهو الكتاب العين إل

 

لا أنـه قـد غـيره

الأزهـري وزغـه

 

وحمقه حمق دغـه

ويدعي بـجـهـلـه

 

كتاب تهذيب اللـغة

وهو كتاب العـين إل

 

ا أنه قد صـبـغـه

في الخارزنجي بلـه

 

وفيه حمـق وولـه

ويدعى بـجـهـلـه

 

وضع كتاب التكملة

وهو كتاب العـين إل

 

ا أنه قـد نـقـلـه

حاشية: دغة بنت مغنج يضرب بها المثل في الحمق، زوجت وهي صغيرة في بني العنبر فحملت، فلما ضربها المخاض ظنت أنها تحتاج إلى الخلاء فبرزت إلى بعض الغيطان ووضعت ذا بطنها، فاستهل الوليد فجاءت منصرفة وهي لا تظن إلا أنها أحدثت فقالت لأمها: يا أمتاه، وهل يفتح الجعر فاه؟ قالت نعم ويدعو أباه، فسب بنوا العنبر به وسموا بنوا الجعراء. ولها حماقات كثيرة. قرأت بخط أبي منصور الأزهري في كتاب نظم الجمان تصنيف أبي الفضل المنذري: نصر بن سيار كان والي خراسان، والليث بن المظفر بن نصر صاحب العربية وصاحب الخليل بن أحمد هو ابنه، حدث عنه قتيبة بن سعيد: سمعت محمد بن إبراهيم العبدي يقول: سمعت قتيبة يقول: كنت عند ليث بن نصر بن سيار فقال: ما تركت شيئاً من فنون العلم إلا نظرت فيه إلا هذا الفن، وما عجزت إلا أني رأيت العلماء يكرهونه - يعني النجوم -. سمعت محمد بن سعيد القزاز قال: نصر بن سيار والي خراسان المحمول إليه رأس جهم، وكان نصر من تحت يدي هشام ابن عبد الملك، وكان بمرو، وكان سلم بن أحوز والي بلخ والجوزجان من تحت يده، وهو الذي قتل يحيى بن زيد ابن علي بن الحسين، جهم بن صفوان الذي ينسب إليه مذهب جهم ووجه برأسيهما إلى مرو إلى نصر بن سيار فنصبا على باب قهندز مرو، فكان سلم بن أحوز يقول: قتلت خير الناس وشر الناس.

قال المنذري: وسمعت محمد بن إبراهيم العبدي قال سمعت أبا رجا قتيبة يقول: دخل الليث بن نصر بن سيار على علي بن عيسى بن ماهان وعنده رجل يقال له حماد الخزربك، فجاءه رجل فقص رؤيا رآها لعلي بن عيسى فهم حماد أن يعبرها فقال ليث: كف فلست هناك. فقال علي: يا أبا هشام وتعبرها؟ قال نعم وأنا أعبرها أهل خراسان. فكانت الرؤيا كأن علي بن عيسى مات وحمل على جنازة وأهل خراسان يتبعونه، ثم انقض غراب من السماء ليحمله فكسروا رجل الغراب. فقال الليث: أما الموت فبقاء، وأما الجنازة فهو سرير وملك، وأما ما حملوك فهو ما علوتهم وكنت على رقابهم، وأما الغراب فهو رسول، قال الله تعالى: (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض)، يقدم فلا ينفذ أمره. فما مكثوا إلا يومين أو ثلاثة حتى قدم رسول من عند الخليفة في حمل علي بن عيسى، فاجتمع قواد خراسان فأثنوا عليه خيراً ولم يتركوه يحمل وقالوا: يخشى انتقاض البلاد فبقي.

قال المنذري: هو الليث بن المظفر بن نصر بن سيار صاحب العربية، وكان له ابن يقال له رافع. سمعت بعض أصحابي قال: سمعت محمد بن إسحاق السراج فال: سمعت إسحاق بن راهويه قال: سألت رافع بن الليث بن المظفر عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل سكر حرام)، أيقع على جميع المسكر يعني جميع ما يسكر منه من قليلة وكثيرة؟ أم على الشربة التي تسكرك؟. فقال بل على جميع ما يسكر منه قليله وكثيره، إذا أسكر كثيره فقليله بمنزلته، ولو كان عني الشربة التي تسكرك لقال: كل مسكر حرام.

قال ابن المنذري: وبلغني أن المظفر بن نصر مر به عناق وابنه الليث قد حضره فقال له وأراد أن يخبره: ما هذا؟ قال: بز بالفارسية. فقال: لأسيرنك إلى حيث لا تعرف بز، فسيره إلى البادية فمكث فيها قريباً من عشر سنين أو أكثر، ففيها تأدب ثم رجع فعجب أهله من كثرة أدبه. هذا آخر ما كتبته من خط الأزهري وكتاب المنذري.

وحدث الحاكم أبو عبد الله بن البيع في كتاب نيسابور عن العباس بن مصعب قال: سئل النضر بن شميل عن الكتاب الذي ينسب إلى الخليل بن أحمد ويقال له كتاب العين، فأنكره فقيل له: لعله ألفه بعدك؟ فقال: أو خرجت من البصرة حتى دفنت الخليل بن أحمد؟.

وحدث أبو الحسن علي بن مهدي الكسروي، حدثني محمد بن منصور المعروف بالراج المحدث قال: قال الليث ابن المظفر بن نصر بن سيار: كنت أصير إلى الخليل بن أحمد فقال لي يوماً: لو أن إنساناً قصد وألف حروف أ ب ت ث على ما أمثله لاستوعب في ذلك جميع كلام العرب، وتهيأ له أصل لا يخرج منه شيء ألبتة. فقلت له: وكيف يكون ذلك؟ قال: يؤلفه على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي، فإنه ليس يعرف في كلام العرب أكثر منه.

قال الليث: فجعلت أستفهمه ويصف لي ولا أقف على ما يصف، فاختلف إليه في هذا المعنى أياماً ثم اعتل وحججت، فما زلت مشفقاً عليه وخشيت أن يموت في علته فيبطل ما كان يشرحه لي، فرجعت من الحج وصرت إليه فإذا هو قد ألف الحروف كلها على ما في الكتاب، وكان يملي علي ما يحفظ، وما شك فيه يقول لي سل عنه، فإذا صح فأثبته إلى أن عملت الكتاب.