أبو الجيش الموفق، مولى عبد الرحمن الناصر بن المنصور محمد بن أبي عامر أمير الأندلس، مات بدانية في سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وأصله مملوك رومي من مماليك ابن أبي عامر، كان من أهل الأدب والشجاعة والمحبة للعلوم وأهلها، نشأ بقرطبة وكانت له همة وجلادة وجرأة، فلما جاءت أيام الفتنة وتغلبت العساكر على النواحي سار هو فيمن تبعه إلى الجزائر التي في شرق الأندلس وهي: دانية ومنورقة بالنون، ودانية هي ذات خصب وسعة فغلب عليها وحماها، وقصد سردانية في قصة ذكرتها في التاريخ الذي سميته المبدأ، وكان من الكرماء على العلماء يبذل لهم الرغائب خصوصاً على القراء حتى صارت دانية معدن القراء بالغرب، وهو الذي بذل لأبي غالب تمام بن غالب ألف دينار ليزيد اسمه في ديباجة كتابه كما ذكرنا في باب تمام.
وفيه يقول أبو العلاء صاعد بن الحسن اللغوي - وقد استماله بخريطة مال ومركب أهداهما إليه - قصيدة أولها:
أتتني الخريطة والـمـركـب |
|
كما اقترن السعد والكـوكـب |
وحـط بـمـينـائه قـلــعة |
|
كما وضعت حملها المـقـرب |
على ساعة قام فيهـا الـثـنـا |
|
ء على هامة المشتري يخطب |
مجاهد رضت إباء الـشـمـو |
|
س فأصبحت ما لم يكن بصحب |
فقل واحتكم لي فسمع الزمـان |
|
مصيخ إليك بـمـا تـرغـب |
وقد ألف مجاهد كتاب عروض يدل على قوته فيه: ومن أعظم فضائله تقديمه للوزير أبي العباس أحمد بن رشيق وتعويله عليه، وبسط يده في العدل.