باب الميم - محمد بن أحمد بن عبد الله

محمد بن أحمد بن عبد الله

بن عبد الصمد ابن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، وقال المرزباني: هو أحمد بن محمد، قتل في سنة خمسين ومائتين في خلافة المستعين بالله، وكنيته أبو العباس ويلقب بأبي العبر.

قال جحظة: لم أر قط احفظ منه لكل عين ولا أجود شعراً، ولم يكن في الدنيا صناعة إلا وهو يعلمها بيده حتى لقد رأيته يعجن ويخبز، وكان أبوه أحمد يلقب بالحامض، وكان حافظاً أديباً في نهاية التسنن، قتل بقصر ابن هبيرة وقد خرج لأخذ أرزاقه من هناك، سمعه قوم من الشيعة ينتقص علياً عليه السلام فرموا به من فوق سطح كان بائتاً عليه فمات في السنة المقدم ذكرها.

وذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني فقال: كان أبوه أحمد يلقب حمدون الحامض، ولد لمضي خمس سنين من خلافة الرشيد والرشيد بويع في سنة سبعين ومائة وعاش إلى أيام المستعين بالله، وكان في أول أمره يسلك في شعره الجد ثم عدل إلى الهزل والحماقة فنفق نفاقاً كثيراً، وجمع به ما لم يجمع أحد من شعراء عصره المجيدين.
ومن سائر شعره قوله:

بأبي من زارني مكـتـئبـاً

 

خائفاً من كل حس جزعـا

رصد الخلوة حتى أمكـنـت

 

ورعى السامر حتى هجعـا

قمر نم عـلـيه حـسـنـه

 

كيف يخفي الليل بدراً طلعا؟

ركب الأهوال في زورتـه

 

ثم ما سلـم حـتـى ودعـا

قال محمد بن إسحاق: وله من الكتب: كتاب جامع الحماقات وحاوي الرقاعات، كتاب المنادمة وأخلاق الرؤساء. حدث أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي السلامي حدثني أبو أحمد الهذلي قال: حدثنا أبو عبد الله الشعيري وكان شاعراً من أهل بغداد قال: اجتمعت مع جماعة من الشعراء في مجلس نتناظر ونتناشد ونتساءل ونعد شعراء زماننا، فمر بنا أبو العبر فقلنا: هذا أيضاً يعد نفسه في الشعراء فمال إلينا وقال: والله أشعر منكم وأعلم. فقلنا: قد اختلفنا في بيت فاشتبه علينا فهل نسألك عنه؟ فقال نعم، فسألناه عن معنى هذا البيت:

عافت الماء في الشتاء فقلنا

 

برديه تصادفيه سخـينـا

كيف تصادفه سخياً إذا بردته؟. فقال: أخفي عليكم؟ قلنا نعم. فقال هو ليس من التبريد وإنما هو صرف مدغم، ومعناه بل رديه من الورود، فأدغموا اللام في الراء كما قال الله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم)، وقوله: (وقيل من راق). قال: فاستحسنا ما فسره وأقررنا له بالفضل. فقال: إني أسألكم بيتاً كما سألتموني، أما ترون إلى قول دغفل:

إن على سائلنا أن نسـألـه

 

والعبء لا تعرفه أو تحمله

فقلنا: سل: فقال: ما معنى قول القائل؟:

يا من رأى رحلاً واقفاً

 

أحرقه الحر من البرد

كيف يحرقه الحر من البرد؟ قال: فاضطربنا في معناه، فلم نخرجه فسألناه عنه فقال: هذا قولي: وذلك أنني مررت بحداد يبرد حديداً فمسست تلك البرادة فأحرقت يدي، وإنما البرد مصدر برد الحديد برداً، وليس هو من الشيء البارد. قال: فأقررنا بفضل معرفته فأنشأ يقول:

أقر الشعـراء أنـي

 

ومرواً في الحرمرم

إنهم عندي جمـيعـاً

 

.... العـنـمـنـم

فقطعت الرأس منهم

 

ثم جلد القـد دمـدم

فعلمنا منه طـبـلاً

 

من طبول الخد دمدم

فضربنا بـه دمـدم

 

ثم دمدم ثـم دمـدم

عجبنا يا قوم مـنـي

 

كنت معكم كالململم

وقال المرزباني: أبو العبر أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد لصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

وقال محمد بن داود: اسمه محمد بن أحمد، وهو حمدون ابن عبد الله بن عبد الصمد يكنى أبا العباس، صاحب الشعر الأحمق والكلام المختلق، وهو أبرد الناس غير مدافع وربما قال شعراً صالحاً، وهو القائل وأنشدناه الأخفش:

لو يكون الهوى بجسم من الصخ

 

رعلى أن فيه قـلـب حـديد

فعل الحب فيهما مثل مـا يف

 

عل شعر اللحى بورد الخـدود

وله ورواه أبو الحسن علي بن العباس الرومي:

لو كنت من شيء خلافك لم تكن

 

لتكون إلا مشجباً في مشجـب

لو أن لي من جلد وجهك رقعة

 

لجعلت منها حافراً للأشـهـب

قال: وكان يظهر الميل على العلويين والهجاء لهم، وجرت منيته على يد رجل من أهل الكوفة من رماة الجلاهق، وخرج معه من بغداد إلى آجام الكوفة للرمي فسمع الرامي منه كلاماً استحل به دمه فقتله وهو القائل لموسى بن عبد الملك وكان دفع إليه توقيعاً بصلة من المتوكل فدافعه موسى وماطله مدة فوقف له يوماً فلما ركب أنشده:

حتـى مـتــى نـــتـــبـــرد

 

وكـــم وكـــم أتــــــردد؟

موسى أدر لي كتابي بحق ربك الأسود

 

 

يعني محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق، وكان محمد من أمة سوداء فنحلته سوادها، فجزع موسى بن عبد الملك من قوله، وسأله كتم الحال وقضي شغله.

وقال جحظة: اجتمعت أنا وجماعة من إخواننا مع أبي العبر في براح أراد أن يبنيه داراً فأقبلنا نقدر البيوت وأين مواقعها؟ فبينا نحن كذلك إذ ضرط بعض من كان معنا فقال أبو العبر: مهما شككنا فيه فما نشك أن هذا الموضع الكنيف.