باب الميم - محمد بن أحمد بن إبراهيم

محمد بن أحمد بن إبراهيم

بن كيسان أبو الحسن النحوي، وكيسان لقب واسمه إبراهيم، مات فيما ذكره الخطيب لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وتسعين ومائتين في خلافة المقتدر. قال أبو بكر الزبيدي: وليس هذا بالقديم الذي له في العروض والمعمى كتاب. وقال الخطيب بن برهان: كيسان - ليس باسم جده إنما هو لقب أبيه -. وكان يحفظ المذهبين الكوفي والبصري في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: أبو الحسن ابن كيسان أنحى من الشيخين يعني المبرد وثعلباً. قال المؤلف: وكان كما قال: يعرف المذهبين إلا أنه كان إلى البصريين أميل.

وحدث أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين قال: كان ابن كيسان يسأل المبرد عن مسائل فيجيبه فيعارضها بقول الكوفيين فيقول في هذا: على من يقوله كذا ويلزمه كذا، فإذا رضي قال له: قد بقي عليك شيء لم لا تقول كذا؟ فقال له يوماً وقد لزم قولاً للكوفيين ولج فيه: أنت كما قال جرير:

أسليك عن زيد لتسلى وقـد أرى

 

بعينيك من زيد قذى غير بارح

إذا ذكرت زيداً ترقرق دمعهـا

 

بمذروفة العينين شوساء طامح

تبكي على زيد ولم تر مـثـلـه

 

براء من الحمى صحيح الجوانح

فإن تقصدي فالقصد منك سجية

 

وإن تجمحي تلقي لجام الجوامح

وحدث أبو بكر محمد بن مبرمان قال: قصدت بن كيسان لأقرأ عليه كتاب سيبويه فامتنع وقال: أذهب به إلى أهله يعني الزجاج وابن السراج، وكان أبو بكر بن الأنباري يتعصب عليه ويقول: خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئاً، وكان يفضل الزجاج عليه جداً. وله من الكتب: كتاب المهذب في النحو، كتاب غلط أدب الكاتب، كتاب اللامات، كتاب الحقائق، كتاب البرهان، كتاب مصابيح الكتاب، كتاب الهجاء والخط، كتاب غريب الحديث نحو أربعمائة ورقة، كتاب الوقف والابتداء، كتاب القراءات، كتاب التصاريف، كتاب الشاذاني في النحو، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المقصور والممدود، كتاب معاني القرآن، كتاب مختصر في النحو، كتاب المسائل على مذهب النحويين ما اختلف فيه الكوفيين والبصريون، كتاب الفاعل والمفعول به كتاب المختار في علل النحو ثلاث مجلدات أو أكثر قرأت بخط إبراهيم بن محمد بن بندار، قرأت بخط أبي جعفر السعال في آخر العروض: - إلى ههنا أملي على بن كيسان وأنا كنت أستمليه، وفرغنا من العروض لخمس بقين من شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين -.

وقال أبو حيان التوحيدي: وما رأيت مجلساً أكثر فائدة وأجمع لأصناف العلوم وخاصة ما يتعلق بالتحف والطرف والنتف من مجلس ابن كيسان، فإنه كان يبدأ بأخذ القرآن والقراءات، ثم بأحاديث رسول الله صلى الله عله وسلم، فإذا قرئ خبر غريب أو لفظة شاذة أبان عنها وتكلم عليها وسأل أصحابه عن معناها، وكان يقرأ عليه مجالسات ثعلب في طرفي النهار، وقد اجتمع على باب مسجده نحو مائة رأس من الدواب للرؤساء والكتاب والأشراف والأعيان الذين قصدوه، وكان مع ذلك إقباله على صاحب المرقعة الممزقة والعباء الخلق والطمر البالي كإقباله على صاحب القصب والوشي والديباج والدابة والمركب والحاشية والغاشية. ويوماً من الأيام جرى في مجلسه ما امتعض منه وأنكره وقضى منه عجباً، وأنشد في تلك الحالة من غرر الشعر والمقطعات الحسنة وغيرها ما ملاء السمع وحير الألباب حتى قال الصابئ: هذا الرجل من الجن إلا أنه في شكل إنسان. ومن جملة ما أنشد في تلك الحال:

مالي أرى الدهر لا تفني عجائبه؟

 

أبقى لنا ذنباً واستؤصل الـراس

إن الجديدين في طول اختلافهمـا

 

لا ينقصان ولكن ينقص النـاس

أبقى كل محمول وفـجـعـنـا

 

بالحاملين فهـم أثـواء أرمـاس

يرون أن كرام الناس إن بـذلـوا

 

حمقى وأن لئام الناس أكـبـاس

وتمثل أيضا ببيتي أبي تمام:

قوم إذا خافوا عداوة حـاسـد

 

سفكوا الدما بأسـنة الأقـلام

ولضربة من كاتب بـمـداده

 

أمضى وأنفذ من رقيق حسام

قال المؤلف: هكذا حكى أبو حيان، ولا أرى أبا حيان أدرك ابن كيسان، هذا إن صحت وفاته التي ذكرها الخطيب، ولا يكون الصابئ أيضاً أدركه، لأن مولد الصابئ في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، والذي ذكره الخطيب لاشك سهو، فإني وجدت في تاريخ أبي غالب همام ابن الفضل بن المهذب المغربي أن كيسان مات في سنة عشرين وثلاثمائة.