ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عبد المطلب بن هاشم، شاعر مفلق، وعالم محقق، شائع الشعر نبيه الذكر. مولده بأصبهان، وبها مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وله عقب كثير بأصبهان، فيهم علماء وأدباء ونقباء ومشاهير، وكان مذكوراً بالذكاء والفطنة وصفاء القريحة وصحة الذهن وجودة المقاصد، معروف بذلك مشهور به. وهو مصنف كتاب عيار الشعر، كتاب تهذيب الطبع، كتاب العروض لم يسبق إلى مثله، كتاب في المدخل في معرفة المعمى من الشعر، كتاب في تقريظ الدفاتر.
ذكر أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصبهاني قال: سمعت جماعة من رواة الأشعار ببغداد يتحدثون عن عبد الله بن المعتز أنه كان لهجاً بذكر أبي الحسن مقدماً له على سائر أهله ويقول: ما أشبهه في أوصافه إلا محمد بن يزيد مسلمة بن عبد الملك، إلا أن أبا الحسن أكثر شعراً من المسلمي وليس في ولد الحسن من يشبهه، بل يقاربه علي بن محمد الأفواه.
قال: وحدثني أبو عبد الله بن أبي عامر قال: كان أبو الحسن طوال أيامه مشتاقاً إلى عبد الله بن المعتز متمنياً أن يلقاه أو يرى شعره، فأما لقاؤه فلم ينفق له لأنه لم يفارق أصبهان قط، وأما ظفره بشعره فإنه اتفق له في آخر أيامه. وله في ذلك قصة عجيبة: وذلك أنه دخل إلى دار معمر وقد حملت إليه من بغداد نسخة من شعر عبد الله بن المعتز، فاستعارها فسوف بها فتمكن عندهم من النظر فيها، وخرج عدل إلى كالا معيياً كأنه ناهض بجمل ثقيل، فطلب محبرة وكاغداً وأخذ يكتب عن ظهر قلبه مقطعات من الشعر فسألته لمن هي؟ فلم يجبني حتى فرغ من نسخها وملأ منها خمس ورقات من نصف المأموني، وأحصيت الأبياتفبلغ عددها مائة وسبعة وثمانين بيتاً تحفظها من شعر ابن المعتز في ذلك المجلس واختارها من بين سائرها. وذكر عنه حكايات، منها ما حدثني به أبو عبد الله بن أبي عامر قال: من توسع أبي الحسن في أتي القول وقهره لأبيه، أن عبد الله فتى أبي الحسين بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل كانت به لكنه شديدة حتى كان لا يجري على لسانه حرفان من حروف المعجم، الراء والكاف، يكون مكان الراء غيناً ومكان الكاف همزة، فكان إذا أراد أن يقول كركي يقول: أغ إي، وإذا أراد أن يقول كركرة يقول: أغ أغة، وينشد للأعشى: قالت إغى غجلاً في أفه أتف. يريد: قالت أرى رجلاً في كفه كتف. فعمل أبو الحسن قصيدة في مدح الحسين حذف منها حرفي لكنة الحسين ولقنه حتى رواها لأبيه أبي الحسين فجن عليها. وقال أبو الحسن: والله أنا أقدر على أبي الكلام من واصل بن عطاء، والقصيدة:
يا سيداً دانـت لـه الـسـادات |
|
وتتابعت في فعله الحسـنـات |
وتواصلت نعماؤه عندي فـلـي |
|
منه هبات خلفـهـن هـبـات |
نعم ثنت عني الزمان وخطـبـه |
|
من بعد ما هيبت لـه غـدوات |
فأدلت من زمن منيت بغشـمـه |
|
أيام لـلأيام بـي سـطــوات |
فلميت آمالـي لـديه حـياتـه |
|
ولحاسدي نعمى يديه مـمـات |
أوليتني مننا تجلى وتـعـتـلـي |
|
عن أن يحيط بوصفهن صفات |
فإذا نثثن بمنطـق مـن مـادح |
|
فالمدح مني والثناء صـمـات |
عجنا عن المدح التي استحققتها |
|
والله يعلم ما تـعـي الـنـيات |
يا ماجداً فعل المحـامـد دينـه |
|
وسماحه صـوم لـه وصـلاة |
فيبيت يشفع راجياً بـتـطـوع |
|
منه وقد غشى العيون سـبـات |
فالجود مثل قـيامة وسـجـوده |
|
إن قيس والتسبيح منـه عـدات |
مازال يلفـي جـائداً أو واعـداً |
|
وعدا تضايق دونـه الأوقـات |
ليمينه بالنجح عنـد عـفـاتـه |
|
في ليل ظنهم البهـيم ثـبـات |
ذو همة علوية توفي علـى ال |
|
جوزاء تسقط دونها الهـمـات |
تنأى عـن الأوهـام إلا أنـهـا |
|
تدنو إذا نيطت بها الحـاجـات |
وعزيمة مثل الحسام مـصـونة |
|
عن أن يفل به الزمان شـبـاة |
فإذا دهى خـطـب مـهـم أيد |
|
خلي العداة وجمعهم أشـتـات |
لأبي الحسين سماحة لو أنـهـا |
|
للغيث لم تجدب عـلـيه فـلاة |
وله مساع في العلا عدد الحصى |
|
في طيئ منن جلها مـسـعـاة |
كحيا السحاب على البقاع سماته |
|
وله على عافي نداه سـمـات |
يحيى بنائله نفوسـاً مـثـل مـا |
|
يحيا بجود الهاطـلات نـبـان |
شاد العلاء أبو الحسين وحـازه |
|
عن سادة هم شـائدون بـنـاة |
سباق غايات تقـطـع دونـهـا |
|
سباقها إن مدت الـحـلـبـات |
فإذا سعوا نحو العلا وسعى لهـا |
|
متمهلاً حيزت له القصـبـات |
مستوفز عند السماح وإن تقـس |
|
أحداً به في الحلم قلت حصـاة |
طود يلوذ به الزمـان وعـنـده |
|
لجميع أحـداث الـزمـان أداة |
بيمـينـه قـلـم إذا مـاهـزه |
|
في أوجه الأيام قلـت قـنـاة |
في سنة باس السنان وهيبة الس |
|
يف الحسام وقد حـوتـه دواة |
سحبان عيا وهـو عـيا بـاقـل |
|
عجل إلى النجوى وفـيه أنـاة |
وسـنـان إلا أنـه مـتـنـبـه |
|
يقظان منه الزهو والإخـبـات |
لم يخط في ظلمات ليل مـداده |
|
إلا انجلت عنا به الظـلـمـات |
وأبو علي أحمد بـن مـحـمـد |
|
قد نمقت عني لـديه هـنـات |
فتقاعست دوني عوائد فضـلـه |
|
وسعت سعاة بـينـنـا وعـداة |
فافتله عن طول العقوق وهـزه |
|
فله لدي فعل الـعـلا هـزات |
والله ما شأني المـديح وبـذلـه |
|
لمؤمل ليمـينـه نـفـحـات |
إلا مجازاة لمن أضـحـت لـه |
|
عندي يد أغذي بـهـا وأقـات |
والمسمعي له لـدي صـنـائع |
|
أيامهن لـطـيهـا سـاعـات |
فإخالها عهد الشباب وحسـنـه |
|
إذ طار لي في ظله الـلـذات |
خذها الغداة أبا الحسين قصـيدة |
|
ضيمت بها الراءات والكافـات |
غيبن عنها ختـلة أخـواتـهـا |
|
عند النشيد فما لـهـا أخـوات |
ولو أنهن شـهـدن لازدوجـت |
|
لها الـغـينـات والألـفـات |
فاسعد أبا عبد الإلـه بـهـا إذا |
|
شقيت بلثغة مـنـشـد أبـيات |
نقصت فتمت في السماع وألغيت |
|
منها التي هي بينـهـا آفـات |
صفيتها مثل المدام لـه فـمـا |
|
فيها لدي حسن السمـاع قـذاة |
معشوقة تسبي العقول بحسنهـا |
|
ياقوتة في اللين وهي صـفـاة |
علـوية حـسـنـية مـزهـوة |
|
تزهى بحسن نشيدها اللهـوات |
ميزانها عند الخـلـيل مـعـدل |
|
متفاعلن متفاعلـن فـعـلات |
لو واصل بن عطاء الباني لهـا |
|
تلـيت تـوهـم أنـهــا آيات |
لولا اجتنابي أن يمل سماعـهـا |
|
لأطلتها ما خطـت الـتـاءات |
وقال أيضاً في الفخر:
حسود مريض القلب يخفى أنينـه |
|
ويضحي كئيب البال عندي حزينه |
يلوم على أن رحت في العلم راغباً |
|
أجمع من عند الرواة فـنـونـه |
وأملك أبكار الـكـلام وعـونـه |
|
وأحفظ مما أستـفـيد عـيونـه |
ويزعم أن العلم لا يجلب الغـنـى |
|
ويحسن الجهل الذميم ظـنـونـه |
فيا لائمي دعني أغالي بقيمـتـي |
|
فقيمة كل الناس ما يحسـنـونـه |
إذا عد أغني الناس لـم أك دونـه |
|
وكنت أرى الفجر المسود دونـه |
إذا ما رأى الراؤون نطقي وعـيه |
|
رأوا حركاتي قد هتكن سكونـه |
وما ثم ريب في حياتي ومـوتـه |
|
فأعجب بميت كيف لا يدفنونـه؟ |
أبي الله لي من صنعه أن يكوننـي |
|
إذا ما ذكرنا فخرنـا وأكـونـه |
وجدت في كتاب شعراء أصبهان لحمزة الأصبهاني قال: وجدت بخط أبي الحسن - رحمه الله - يعني ابن طباطبا، أن أبا علي يحيى بن علي بن المهلب وصف له دعوة لأبي الحسن أحمد بن محمد بن إبراهيم الكراريسي، ذكر أنهم قربوا فيها مائدة عليها خيار وفي وسطها جامات عليا - فطر نخشب - فسميتها مسيحية لأنها أدم النصارى، وأنهم قربوا بعد ذلك سكباجة بعظام عارية فسميتها شطرنجية، وأنهم قربوا بعدها مضيرة في غضائر بيض فسميتها معتدة وكانت بلا دسم، والمعتدة لا تمس الدهن والطيب، وأنهم قدموا بعدها زيرباجة قليلة الزعفران فسميتها عابدة تشبيهاً بلون العباد في الصفرة، وأنهم قربوا بعدها لونا فسميتها قنبية وأنهم قربوا بعدها زبيبية سوداء فسميتها موكبية، وأنهم قربوا بعدها قلية بعظام الأضلاع فسميتها حسكية، ثم قربوا بعدها فالوذجة بيضاء فسميتها صابونية، وأنه اعتل على الجماعة بأنه عليل فحولهم من منزله إلى باغ قد طبق بالكراث فهيأ المجلس هناك، وأحضرهم جرة منثلمة وكانوا يمزجون شرابهم منها، فإذا أرادوا الغائط نقلوها معهم، فكانت مرة في المجلس ومرة في المخرج وأن الباغبان ربط بحذائهم عجله كانت تخور عليهم خواراً مناسباً لقول القائل يا فاطمة، فقلت في ذلك:
يا دعوة مغبـرة قـاتـمة |
|
كأنها من سفـر قـادمـه |
قد قدموا فيها مـسـيحـية |
|
أضحت على أسلافها نادمه |
نعم وشطرنجية لـم تـزل |
|
أيد وأيد حولهـا حـائمـه |
فلم نزل في لعبهـا سـاعة |
|
ثم نفضناها على قـائمـه |
وبعدها معتـدة أخـتـهـا |
|
عابـدة قـائمة صـائمـه |
في حجرها أطراف مؤودة |
|
قد قتلتها أمها ظـالـمـه |
والقنبيات فلا تـنـسـهـا |
|
فحيرتي في وصفها دائمه |
أقنب ما امتد في إصبعـي |
|
أم حية في وسطها نائمـه |
والموكبيات بسلطـانـهـا |
|
قد تركت آنافنا راغـمـه |
والحسكيات فلا تنـس فـي |
|
خندقها أوتادها القـائمـه |
وجام صابونـية بـعـدهـا |
|
فافخر بها إذ كانت الخاتمه |
ظل الكراريسي مستعـبـراً |
|
من عصبة في داره طاعمه |
وقال إن ابني علـيل ولـي |
|
قيانه من أجـلـه قـائمـه |
وولولـت داياتـه حـولـه |
|
وليس إلا عبرة ساجـمـه |
والقصيدة طويلة باردة نشبت في كتابتها فكتبت منها هذا. وله:
لا تنكرن إهداءنا لك منطقـاً |
|
منك استفدنا حسنه ونظامـه |
فالله عز وجل يشكر فعل من |
|
يتلو عليه وحيه وكـلامـه |
وقال: وقد صادف على باب ابن رستم عثمانيين أسودين معتمين بعمامتين حمراوين فامتحنهما فوجدهما من الأدب خاليين، فدخل إلى مجلس أبي علي وتناول الدواة والكاغد من بين يديه وكتب بديهة:
رأيت بـاب الـدار أسـودين |
|
ذي عمامـتـين حـمـراوين |
كجمرتين فوق فـحـمـتـين |
|
قد غادرا الرفض قريري عين |
جدكما عثمـان ذو الـنـورين |
|
فما له أنسل ظـلـمـتـين؟ |
يا قبح شين صـادر عـن زين |
|
حدائد تطبـع مـنـلـجـين |
ما أنتـمـا إلا غـرابـا بـين |
|
طيرا فقد وقعتما لـلـحـين |
زورا ذوي السنة في المصرين |
|
المظهرين الحب للشـيخـين |
وخليا الشيعة لـلـسـبـطـين |
|
الحسن المرضي والحـسـين |
لا تبرمـا إبـرام رب الـدين |
|
ستعطيان في مدى عـامـين |
قال: وقال لابن أبي عمر بن عصام وكان ينتف لحيته:
يا من يزيل خلقة الر |
|
حمن عما خلـقـت |
تب وخف الله علـى |
|
ما ... اجتـرحـت |
هل لك عذر عـنـده |
|
إذا الوحوش حشرت؟ |
في لحية إن سـئلـت |
|
بأي ذنب قـتـلـت؟ |
وقال:
ما أنس لا أنس حتى الحشر مائدة |
|
ظلنا لديك بها في أشغل الشغل |
إذا أقبل الجدي مكشوفاً ترائبـه |
|
كأنه متـمـط دائم الـكـسـل |
قد مد كلتا يديه لي فـذكـرنـي |
|
بيتاً بمثله من أحسن الـمـثـل |
كأنه عاشق قد مد بـسـطـتـه |
|
يوم الفراق إلى توديع مرتحـل |
وقد تردى بأطمار الرقاق لـنـا |
|
مثل الفقير إذا ما راح في سمل |
وله:
لنا صديق نفـسـنـا |
|
في مقته منهمكـه |
أبرد من سكـونـه |
|
وسط الندى الحركه |
وجـدري وجـهـه |
|
يحكيه جلد السمكـه |
أو جلد أفعى سلخت |
|
أو قطعة من شبكه |
أو حلق الـدرع إذا |
|
أبصرتها مشتبكـه |
أو كدر الـمـاء إذا |
|
ما الريح أبدت حبكه |
أو سفن مـحـبـب |
|
أو كرش منفركـه |
أو منجل أو عرض |
|
رقيقة منهـتـكـه |
أو حجر الحمام كـم |
|
من وسخ قد دلكـه |
أو كور زنبـور إذا |
|
أفرخ فيه تـركـه |
أو سلـحـه يابـسة |
|
قد نقرتها الـديكـه |
ومن محاسن ابن طباطبا في أبي علي الرستمي يهجوه بالدعوة والبرص:
أنت أعطيت من دلائل رسل ال |
|
له آيا بها علوت الـرؤوسـا |
جئت فرداً بلا أب وبـيمـنـا |
|
ك بياض فأنت عيسى وموسى |